تـاريخ الأرض والشمس والقـمر


تـاريخ الأرض والشمس والقـمر

قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ الإسراء: 12.

 

الدلالة العلمية:

التعبير ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾؛ ورد على وجه التفصيل مقترنا بالشمس والقمر في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ يونس: 5، ورافقهما الحديث عن ظاهرتي الليل والنهار: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ يونس: 6، وبالمثل هاهنا ذُكِرَ الليل والنهار: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾؛ فيستقيم إذاً حمل (آيَةَ اللَّيْلِ) على القمر باعتبار (الآية) يعني العلامة أو الدليل الظاهر المُعاين، وحمل (آيَةَ النَّهَارِ) بالمثل على الشمس، ويستقيم العدول بلاغيا على طريقة التعريض في نسبة اسم الفاعل إلى الظاهرة لا المخاطب؛ وهو المؤهل للإبصار والتمييز والمعرفة المدركة في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً) للإشعار بشدة الوضوح والظهور للبصر، كأنها تُبصر نفسها لو كانت مما يُبصر ويعقل؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ الإسراء: 59، وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ النمل: 13.

وفي قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ الإسراء: 12؛ ورد التعبير ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾، و(الجعل) يدل على التحويل والتصيير للشيء، فيعني انعدام تميز الليل عن النهار في مرحلة سابقة، ويتفق هذا مع ما عُرِف اليوم من أن الأرض كانت ملتهبة ويلفها دخان البراكين الأولية بحيث ينعدم التمييز بين الليل والنهار؛ وأن سطح الأرض المُمَهَّد حديث العهد، وبالمثل كان القمر جسما ملتهبا يصدر الضياء، فبرد وتحول إلى جسم معتم يعكسه نورا لقوله تعالى: ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ﴾، وبالمثل يدل لفظ (الجعل) في قوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ على أن الشمس لم تكن كيانا مشعا كما أثبتت العلوم.

 

التوافق مع العلوم الحديثة:

اكتشف علماء الفلك بعد صعود الإنسان إلى القمر أنه كان في الماضي نشيطا بركانياً قبل أن تتصلد قشرته ويتضاءل نشاطه البركاني، فالمعلوم فلكيا أنها تشكلت منذ حوالي 4.6 مليون سنة، وخلال تشكلها تعرضت لضربات النيازك وسادها نشاط بركاني واسع فاض في مناطق الوهاد خاصة المعروفة بالبحار Maria، وبفعل درجات الحرارة الهائلة غلب الصهير على سطحه، ثم برد القمر فتوقف نشاطه البركاني، وانطفأت حممه، واستقر سطحه على ما هو عليه اليوم.

والمدهش أن يسبق الصحابة الكرام إلى نفس الدلالة اعتمادا على اللغة فحسب، قبل أن يبزغ عصر الكشوف العلمية بقرون، ويبلغ الإنسان القمر ويجمع بعض أحجاره، فعن عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال: “كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل فمحي فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو”، وهذا الفهم مبني على اعتبار أن آية الليل أي علامته هي القمر، وأن المحو في مقابل تأجج الشمس وإصدارها الضوء هو زوال الالتهاب، وإن عُبِّر عنه بالضوء، وعلى هذا فالآية الكريمة تشير إلى حقيقة علمية لم تظهر إلا في القرن العشرين، وهي أن سطح القمر كان في القديم نشطاً بركانياً، خاصة في مناطق الوهاد التي تبدو للناظر كبقع سوداء، فيا ترى من بلّغ محمداً عليه الصلاة والسلام هذه الحقيقة والتي لم نعرفها إلا حديثا جدا بعد جهود مضنية استخدمت فيها المركبات الفضائية والأقمار الصناعية.