وصف البرق


وصف البرق

قال تعالى: ﴿هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ. وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الرعد: 12 و13، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ﴾ النور: 43.

الدلالة النصية:

في آية الرعد تصريح بالتلازم بين البرق والسحاب النقال الذي يسمى الركام، وهذا التصريح تعبير وصفي دقيق، حيث إن السحاب الركامي أثقل أنواع السحب، وفي آية النور دلالة على ما سبق ذكره عن سوق الرياح للسحاب، ثم التأليف بينه، وخروج الماء من خلاله، وإمكانية تحول البرق الحاصل بين السحاب المركوم إلى صواعق تحرق، وتصعق الأحياء نتيجة شحنتها الكهربائية الهائلة.

الحقيقة العلمية:

يَصْحُب البرق Lightning عادةً السحب الكثيفة المثقلة الغنية بالمطر، والممتدة عاليًا كالجبال، والتي تسمى بسحب الرُّكَام Cumulus، وقد يَصْحُب ظواهر أخرى كالعواصف الرعدية Thunderstorm والعواصف الترابية Dust Storms والثورات البركانية، ويصاحبه دوي أو دمدمة وقعقعة تسمى بالرعد Thunder ، والبرق عبارة عن تفريغ شحنة كهربية قد تقع داخل السحب، أو بين سحابة وأخرى مشحونة بشحنة مخالفة، وقد تقع بين السحب المشحونة والهواء، وإذا بلغ البرق سطح الأرض، فهو ينتخب الأجزاء المرتفعة لإفراغ شحنته مدمرًا كل جماد، وصاعقًا كل حي؛ ولذا يسمى حينئذ صاعقة البرق Lightning bolt أو ضربة الرعد Thunderbolt، ولم تكن طبيعة البرق معروفة حتى منتصف القرن الثامن عشر، وفي عام 1752 أثبت الأمريكي بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin  أنه عبارة عن شحنة كهربية، حيث يمكنها توليد شرارة Spark إذا اقتربت من الأرض، والقصة الشائعة أنه استخدم طائرة ورقية أثناء عاصفة رعدية ربط فيها مفتاحا معدنيا متصلا بطرف قرب سطح الأرض أثناء طيرانها عالياً، فلاحظ تولد شرارة كهربية بين الطرف المعدني المتصل بالطائرة وبين الأرض، أعاد غيره التجربة مرات عديدة، وكان بعضها مأساويًَا، ففي عام 1753 قام الفيزيائي السويدي رتشمانRichman  بتجربة مماثلة؛ ولكن الشحنة الكهربية صعقته.

والوسط الذي تتجمع فيه الغيوم يمتلئ بالشحنات الكهربية، واحتمال تلامس الشحنات المتعاكسة كبير، ولذا فإن البرق الداخلي يمثل ثلاثة أرباع ضربات البرق، وحينئذ يرى المراقب من سطح الأرض توهج خافت تحجبه طبقات السحب الكثيفة، وقد يحدث التفريغ الكهربي أعلى الغيمة، فتتكشف السحب للناظر بهيئة ظلمات متباينة الإعتام تحجب الوميض، ويأخذ البرق أشكالا عديدة بسبب انتشار الشرارة في كتل هوائية متباينة الضغط ودرجة الرطوبة؛ فقد يظهر بهيئة خط متعرج أو بهيئة خطوط شبه متوازية، وإذا وصلت ضربة البرق إلى سطح الأرض، فيعتمد خطرها على موضع تفريغ الشحنة، والأجسام المعدنية التي توضع فوق الأبنية العالية في المناطق التي تكثر فيها الصواعق، وتسمى بموانع الصواعق لا تمنعها في الحقيقة، وإنما تقوم بتسريب الشحنة الكهربائية خلال موصلات معدنية نحو الأرض فتحرف مسارها وتدفع خطرها.

 وتتكون العواصف الرعدية نتيجة سخونة سطح الأرض، فيتم تسخين الهواء الملامس له في الطبقة السفلى من الجو، فيرتفع عاليا بهيئة دوامات حاملاً بخار الماء ليتكاثف في المناطق العليا الباردة، ويكوِّن تجمعات من سحب الركام قد يصل ارتفاعها إلى 18 كم، ويوافق هذا التفسير كثرة العواصف الرعدية في المناطق الاستوائية، وتتميز سحب الركام بنزول المطر الغزير والبَرَدْ وحدوث البرق والصواعق، وقد يبلغ حجم حبة البَرَدْ حوالي 10 سم، ومع ازدياد حجمها تصبح أكثر تدميراً، وتسبب خسائر أكبر للمنشآت والمحاصيل نتيجة زيادة شدة الارتطام، وتبلغ نادرًا 15 سم في العرض، فتزداد قوة تدميرها وتعرض حيوانات المزارع وحتى البشر للخطر، ولم تُكتمل تجريبيًا بعد دراسة كافة العوامل المحتملة التأثير في عملية تكون الشحنات الكهربية في السحب، والتي تدفع لوقوع البرق عند بلوغ الحد الحرج، فقد تدخل عدة عوامل مثل درجة التشبع بالماء واحتكاك القطرات بالهواء وشدة الرياح؛ وربما يكون للرياح الشمسية المشحونة كهربيا تأثيرًا ما، لكن تكون البرق يرجع أساسًا إلى تكون البَرَدْ Hail في أعلى السحب.

وإن ومضات البرق ودمدمة الرعد رسائل لا يغيب مغزاها عن الفطين تشهد بتقدير مُسبق وتدبير واحد لا تصنعه إلا مشيئة واحدة علية وقدرة إذا شاءت جعلت النعمة نقمة، وهي ظاهرة مُحَيِّرَة لم يعرف الإنسان تفسيرها إلا مؤخرا في عصر العلم، وتعجب أن يكشف القرآن الكريم سترها من بين كل الكتب التي تُنسب سواه للوحي، فأتت موافقة للواقع كدليل للنبوة الخاتمة، فالبرق والرعد والصواعق ظواهر كونية قد تناولها الكتاب الكريم؛ فورد البرق بشيرًا بالمطر، ونذيرًا يشهد للفطين بوحدانية الله تعالى وقدرته وتقديره وبديع صنعه وحكيم تدبيره، وجاء نظم الكتاب شاهدًا بعلمه مُتَحَدِّيًا المُكابر بدلائل النبوة، يقول العلي القدير: ﴿بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ﴾ يونس:39.   

وجه الإعجاز:

لقد تفرد القرآن الكريم من بين سائر الكتب التي أنزلها الله تعالى بذكر هذه الظواهر الكونية العظيمة التي كان البشر على جهالة تامة بكنهها ومعرفة حقيقتها، كما أذهل القرآن الكريم أساطين اللغة وفرسان البيان بروائعه في الفصاحة والبيان،  فإنه يذهل العلماء الكونيين في عصرنا لما اشتمل عليه من دلالات على حقائق الكون خاصة بعد وضوح التطابق بين تلك الدلالات، وهذه الحقائق التي رأيناها مثالاً باهراً من خلال الحديث عن البرق والرعد والصواعق، وغير ذلك مما يدل أن المتحدث هو الله والمبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو مضمون الإعجاز العلمي.