من حكم التشريع لمسائل علم المواريث

من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا1432هـ – 2011م

د/ نجيـب بوحنيـك

أستـاذ مادة المواريث بكلية الشريعة بجامعة باتنة -الجزائر-   

أ/ سـلاف القيـقط

أستـاذة مادة القراءات بجامعة الأمير عبد القادرللعلوم الإسلامية  – الجزائر- .   

ملخص البحث

(ا) النص المعجز : آيات الميراث في – قوله تعالى :(لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ…[ إلى ]…نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [ النساء : (7) ]

– وقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ…[ إلى ]…وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [ النساء : (14،13،12،11 ) ]

– وقوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ …[ إلى ]…وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [ النساء : ( 176 ) ]

(ب) الحكم التشريعية المراد بيانها والمرتبطة بالنص المعجز :

نظرا للمعاني الربانية العميقة والحكم التشريعية الأصيلة، التي تضمنتها منظومة الميراث في شريعة الإسلام الحنفية السّمحة .. جاء هذا البحث لتجلية بعض الأسرار واللّطائف واللمسات التي احتواها هذا التّشريع المعجز لفريضة الميراث من خلال تتبع ما استنبطه هؤلاء الجهابذة من علمائنا الأفذاذ أثناء بيانهم وتفسيرهم لآيات الفرائض، ووقفاتهم الفاحصة المتأملة لتلك السياقات القرآنية من سورة النّساء، وهي تعرض للأمّة مقادير وأنصبة وسهام الورثة وشروط استحقاقهم لها بدقّة فائقة، تتجلى فيها حكمة الباري -عز وجل-  وعلمه المطلق بأحوال عباده ، وحلمه الفياض على خلقه رجالا ونساء .. صغارا وكبارًا .. على مرّ الزّمان كله .. وكيف لا ! وقد ذبل آيات الميراث وختمها قائلا عن نفسه.. ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًاحَكِيمًا..) (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ… ) (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍعَلِيمٌ).

فأردنا من خلال المادة العلمية لهذا البحث بيان: مرتبة علم الميراث بين المعاني التعبدية المحضة غير المعقولة المعنى والمعاني المعللة المعقولة المعنى ، والحكم التشريعية: منإجمال الميراث في بداية تشريعه ،ومن مجيء آيات الميراث الثلاث بهذا الترتيب وهذا التوالي ، ومن مجيء الحقوق المتعلقة بالتركة بهذا الترتيب ، ومن تصدير آيات الميراث بلفظ : ” يوصيكم ” و ” أولادكم ” ، ومن مضاعفة حظ الذكر لحظ الأنثى في الميراث ، ومن تقديم البنوة على الأبوة في الميراث ، ومن حجب الأب للإخوة دون الأم ، ومن أن الإخوة لأم يتساوى ذكرهم وأنثاهم في الميراث ، ومن تذييل آيات المواريث الثلاث بأسماء الله الحسنى ، ومن ترتب الوعد والوعيد بعد بيان مقادير الميراث ..

(ج) وجه الإعجاز التشريعي في النص المعجز :

بعد رحلتنا مع هذا البحث انتهينا – بعون الله –إلى أن من وجوه الإعجاز التشريعي في هذا النص المعجز : أن فريضة الميراث وإن كان الأصل فيها والغالب عليها التعبّد المحض، إلاّ أن فيها ما هو معقول المعنى، ظاهر القصد، جليّ الحكمة وذلك لدورانها حول موضوع المال الذي قنّنته الشريعة أحسن تقنين ..وقد أجمل الله -سبحانه وتعالى- الكلام عن الميراث تمهيدا وتهيئة لنفوس المؤمنين حتّى يكونوا على أتمّ استعداد لما سيشرعه من أحكام جزئية وتفصيلية في هذه المنظومة العادلة للرّجال وللنّساءعلى حدّ سواء ..وترتيب الورثة كان مبنيًا على أساس حكمة بالغة ونظر دقيق : فالقريب إلى الميّت أولى بالميراث من البعيد عنهفجاء ترتيب الورثة حسب هذا التسلسل العادل وفق هذه القواعد المنضبطة التي لا تحابي أحدًا على حساب آخر.. ورتب الله الحقوق المتعلقة بالتّركة ترتيبا بديعا ، فقدم حقّ التّجهيز لأنّ الميت أولى بماله من غيرهثمّ قدّم الدّين على الوصيّة لأنّه قد تعلقت به ذمّتهثم قدّمت الوصيّة على الميراث حتّى يستدرك ما فاته من الخير والبرّ .. وصدر الله أحكام الميراث بلفظ :”يوصيكم”لبيان أن الله أعدل وأرحم بخلقه حتى من الوالدين بأولادهم وجاء التّعبير بلفظ:”أولادكم”دون لفظ”أبنائكم”لأن لفظ “الولد” أعمّ من لفظ “الابن”.. وأخذ الذّكر ضعف ما تأخذه الأنثى ليس فيه محاباة لجنس على حساب جنسوإنّما هي حالة توازن وعدل بين أعباء الذكر المتعدّدةوأعباء الأنثى المحدودة ..وقدم الله الأبناء على الآباء في الميراثلأن البنوّة أقوى من الأبوّةبالنسبة إلى مدى احتياج الطرفين إلى المال ..وفضل الله الأب على الأم في الميراث لامتياز ترتب النفقة ووجوبها على الأب دون الأمّوهذا من عدل الله وقسطه، وفيه من حسن الشّريعة ما فيه .. وجعل الشّارع الحكيم مقدار ما يأخذه الذّكر يتساوى مع ما تأخذه الأنثى في الإخوة لأم ،لأنهم يدلون إلى الميّت بواسطة الأمومة -الأنوثة- فلم يفضل ذكرهم على أنثاهمبخلاف غيرهم من الورثة فإنّهم يدلون إلى الميّت بأنفسهم أو بالذكورة .. وختمت آيات المواريث باسماء الله الحسنى ، وحكمة الباري في ذلك كأنّه يريد أن يقول لعباده بعد تشريعه لمنظومة الميراث أن الله : عليم بمصالحكم المالية التي من أجلها جمعتم هذا المال ونميتموه ، وإذا كان الأمر كذلك فاعلموا أن قسمته لهذا المال على مستحقيه من ورثتكم بعد هلاككم كانت وفق حلمه البالغ وحكمته العادلة، فسلّموا له بالقسمة التي اختارها فيما تملكون من مال سمعا وطاعة له فيما شرّع لأنّه هو:”العليم”، “الحكيم”، “الحليم”.

 

 

البحث كاملاً