“ملامح الإعجاز الإعلامي في قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا

من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا1432هـ – 2011م

د. رحيمة الطيب عيساني

أستاذ محاضرة بجامعة باتنة، الجزائر

تركّز معظم الكتابات التي تتحدّث عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة النبوية الشريفة على المجال العلمي والطبّي والبياني (اللّغوي)، وقلّ ما تتحدّث عن المجال الإنساني النفسي والاجتماعي، إلّا في بعض البحوث والدّراسات المتفرّقة في هذا المجال. وهي في هذا محجمة –ربما-بسبب أنّ القوانين الاجتماعية والنفسية المفسّرة للظواهر الاجتماعية متغيرة،غير ثابتة وغير مطردة، لأنّ الدّارس والمدروس إنسان كذلك، بعكس الظواهر الطبيعية والعلمية التي تحكمها قوانين ثابتة وأزلية.

لذلك وجدنا أنّه تكاد تنعدم الدّراسات المهتمّة بالإعجاز الإعلامي في القرآن والسنّة، ذلك أنّ معظم الكتابات التي تناولت مصطلح “الإعلام الإسلامي” بالتأليف والدّراسة انطلقت من العمل على محور أسلمة المعرفة في مجال الإعلام والاتصال،مغفلة العمل على محور إسلامية المعرفة، مع أنّ المصطلح يوحي مضمونه في اتجاه المحور الثاني وليس الأول، وهي معذورة في ذلك كون أكثر الباحثين في المجال(الإعلام الإسلامي) ذوي تخصص بعيد(الإعلام والاتصال)، ليس لهم خلفيات كبيرة في مجال العلوم الإسلامية، خاصة علوم القرآن والسنّة، مصدري التنظير لمثل هذا العمل، إضافة إلى السبب الأول.

لذلك بقي الحديث عن الإعلام في القرآن والسنّة،وقواعده وأسسه،وكذا الإعجاز الإعلامي فيهما؛ حديثا محتشما تتناوله بعض الكتابات التي لم تصل أصواتها العميقة إلى الباحثين والمهتمّين،ناهيك عن عامّة الناس.

ومن منطلق أنّنا لسنا بحاجة إلى الآخرين لينظّروا لنا في علم معين، ثم نتجه نحن إلى القرآن الكريم أو السنّة النبوية الشريفة لنؤكد أوجه الإعجاز فيهما، وأوجه موافقتهما لما قعّد وذكر، وكذا من منطلق الإعجاز البياني في القرآن والسنّة، حقّ لنا أن نقف عند كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، لنستجلي أوجه الإعجاز الإعلامي تقعيدا للعملية، وتنظيرا لأساسياتها ومضامينها، بعيدا عن مجاراتها للبحوث والدّراسات الأجنبية في هذا المجال.

فقد أكّدت القراءة المتأنّية لعديد من الآيات القرآنية الكريمة أنّها تتناول العمل الإعلامي بكل أبعاده وأساسياته وأخلاقياته وأهدافه تفصيلا لم تعهده الدّراسات الإعلامية من قبل،بل وقد أشارت هذه الآيات إلى نظرات مخالفة،وقواعد مغايرة كلّية لما في هذه الدّراسات والأعمال في جمل قصيرة معجزة لذوي الكفاءات البيانية والعلمية على أن تختزلها في مثل هذه الجمل والكلمات.

وكمثال على ذلك وفي آية واحدة فقط، قوله تعالى:”يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”(6)الحجرات.وبالعودة إلى التفاسير، وكتب شروح السنّة، والمعاجم العربية، وجدت أنّ الآية الكريمة قد قعّدت لمكونات العملية الإعلامية في صورة إعجازية كبيرة، تجيب على كثير من التساؤلات المحيّرة تفسيرا للعملية، في تساؤلات:

1-لماذا وجّه المولى عزّ وجلّ النداء للمؤمنين،ولم يوجهّه للناس؟فقال:”يا أيها الذين ءامنوا “،ولم يقل ” يا أيها الناس “،مع أنّ العملية الإعلامية والاتصالية ليست مقتصرة على المؤمنين فقط؟ وما وجه الإعجاز في ذلك؟

2-لماذا وصف المولى (عزّ وجلّ) المرسل “بالفاسق”؟

3-لماذا وصفت الرسالة”بالنبأ”ولم تكن “الخبر”،وما وجه الإعجاز في ذكر”الأول”وعدم ذكر”الثاني”؟

4 – ما سمات الجمهور المستقبل لهذه الرسالة؟

5 – ما دور ردود الأفعال في توجيه العمليات الإعلامية والاتصالية؟ وما مدى فعاليتها وأهميتها؟

6 -ثم في إعجاز بياني وبلاغي واضح استطاعت الآية في(18)كلمة مكوّنة لجملة واحدة في السورة أن تستجمع العناصر الأساسية المكوّنة للعملية الإعلامية، وشروط كل عنصر، في حين فشلت كثير من الكتابات المقتدرة في المجال أن تفعل ذلك؟

ومن أجل الإجابة على هذه التساؤلات لاستجلاء ملامح الإعجاز الإعلامي في الآية، تأتي هذه المداخلة محاولة للوقوف بالألباب والأفئدة الواعية عند هذه الملامح، ولا ندّعي في ذلك القدرات العلمية المميزة، ولا القول في كتاب الله بغير علم، بل الحق في محاولات التدبر في كتاب الله، ونحن حفظته، ومبلّغي علومه إلى الناس.    

و نسأل الله التوفيق والسّداد.

 

البحث كاملاً