مرور البرق بين العلم والإيمان


من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتركيا 1432هـ – 2011م

م.عبد الدائم الكحيل

 

ملخص البحث

بيَّنت التجارب الجديدة أن أي ومضة برق ليست مستمرة كما نراها، بل تتألف من عدة أطوار، أهمها طور المرور، وهو الشعاع الذي يمرّ ويخطو من الغيمة باتجاه الأرض، وطور الرجوع، وهو الشرارة التي ترجع باتجاه الغيمة.

وهذا يعني أن شعاع البرق يمرّ ثم يرجع خلال زمن غير مدرك بالعين المجردة، وهذا الزمن يقدر وسطياً بعشرات الأجزاء من الألف من الثانية.

يقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام متحدثاً عن ظاهرة البرق: (ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين؟) . ففي هذه الكلمات معجزة علمية شديدة الوضوح، خصوصاً إذا علمنا أن العلماء يستخدمون الكلمة ذاتها التي استخدمها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وذلك من خلال تعبيرهم عن طوري المرور والرجوع، وأن هذين الطورين يستغرقان مدة من الزمن تساوي الزمن اللازم لطرفة العين!

في هذا البحث سوف نرى أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد تحدّث عن أطوار البرق ، بل وحدَّد زمنها أيضاً، وربما نذهل إذا علمنا أن الزمن اللازم لضربة البرق هو الزمن ذاته اللازم لطرفة العين!

مع العلم أن الزمن اللازم لكل طور يقاس بأجزاء من الألف من الثانية، وبالطبع لا تستطيع العين أن تحلّل المعلومات القادمة إليها خلال زمن كهذا.

وهذا يثبت أن الرسول الكريم يحدثنا عن أشياء لم نتمكَّن من رؤيتها إلا بأجهزة التصوير المتطورة والتي تلتقط أكثر من ألف صورة في كل ثانية.

سوف نرى أيضاً معجزة نبوية في هذا الحديث تتمثل في إشارة الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام إلى سرعة البرق ، وأنه يستغرق زمناً ليمرّ ويرجع، وليس كما كان الاعتقاد السائد أن البرق يقطع أي مسافة بلمح البصر دون الحاجة إلى زمن.

وهذا يدلّ على أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يوافق الناس في ذلك الزمن على معتقداتهم العلمية الخاطئة، بل صحَّح لهم هذه المعتقدات بكل صراحة ووضوح. ولو لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم رسولاً من عند الله، إذن لامتزج حديثه بخرافات عصره.

فعندما نتأمل ظاهرة البرق ، وكيف أن العلماء لم يكتشفوا مرور البرق ورجوعه وكذلك زمن ومضة البرق إلا في أواخر القرن العشرين ولم يتأكدوا منه كحقيقة يقينية إلا في القرن الحادي والعشرين، وعندما ندرك التطابق الكامل بين ما جاء به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وبين هذه الحقائق لابد أن ندرك أن هذا النبي الأمي لا ينطق عن الهوى بل جاء بالحق، وأن الإسلام هو دين العلم ودين الحقائق العلمية.

والشيء المعجز حقاً أن الرسول الأعظم استخدم هذه المعجزة العلمية أثناء الحديث عن القيامة التي ينكرها الملحدون، وكأنه يريد أن يخاطبهم بلغة العلم التي يفهمونها جيداً ويؤكد لهم: كما أنهم رأوا حقيقة مرور البرق ورجوعه ، وهي حقيقة يقينية، فكذلك سوف يرون حقيقة يوم القيامة والمرور على الصراط.

فالمؤمن يزداد إيماناً عندما يرى هذه المعجزة النبوية، وإذا لم تتيسر له رؤية هذه المعجزة أو غيرها ، فلن يختل إيمانه أبداً! أما الملحد فلا تقنعه إلا البراهين العلمية المادية، وهذا الحديث هو واحد منها.

ويمكن القول إن كل كلمة نطق بها سيد البشر وخير الخلق ، هي وحيٌ من عند خالق البرق سبحانه وتعالى، وأن الرسول على حق وأن الإسلام دين العلم. وأن هذا الحديث الشريف من دلائل نبوّة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأنه حقاً كما وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾  [النجم: 3-4]. نسأل الله تعالى أن يجعل في هذا البحث الخير والهداية والإقناع لكل من يشكّ برسالة الإسلام وبنبوّة خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام.

 

 

البحث كاملاً