غيض الأرحام


غيض الأرحام

قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ الرعد: 8, ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾الرعد: 9

الدلالة النصية:

يطلق الغيض في اللغة على: النقص، والغور، والذهاب، والنضوب. (غاض الماء غيضا ومغاضاً) : قل ونقص. أو غار فذهب. أو قل ونضب. أو نزل في الأرض وغاب فيها. (المعجم الوسيط 2/668 وفى المفردات في غريب القرآن: (وغيض الماء ـ وما تغيض الأرحام) أي تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض،  (المفردات في غريب القرآن ص3)، وقد ورد ذكر الغيض في آيتين من القرآن الكريم: الأولى هي النص السابق في سورة الرعد، والثانية: قوله جل في علاه: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾هود: 44، ووفق قواعد التفسير القاضية بتفسير القرآن بالقرآن؛ فإن معنى الغيض في آية سورة الرعد يفسر بالغيض الوارد في آية سورة هود. ومعنى الغيض فيها: الغياب، والذهاب والنضوب، وقد دار تفسير العلماء لغيض الأرحام حول معنيين: الدم الذي ينزل على المرأة الحامل، والثاني: السقط أو السقط الناقص؛ أو ما تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض.

الحقيقة العلمية:

 أثبتت الأبحاث العلمية أن بعض الأجنة تسقط من غير أن تشعر المرأة بذلك، وبعض الأجنة تختفي وتزول من داخل الرحم  خلال الأسابيع الستة الأولى من تلقيح البويضة، وأخذت مسميات علمية عديدة كالإجهاض المخفي، وكيس الحمل الفارغ، والتوائم المتلاشية، وكلها تؤدي إلى نقصان الرحم بغور الأجنة فيه ونضوبها وذهابها واختفائها بالكلية. والعجيب أن بعض علماء المسلمين أُلهم هذا المعني قبل اكتشاف العلم له.

لقد أشار ابن عطية الأندلسي ـ منذ عدة قرون ـ إلى الأجنة المتلاشية في الأرحام فقال مفسرا الغيض: “بأنه زوال شيء من الرحم وذهابه”. كما أن صاحب كتاب المفردات في غريب القرآن وصفه بوضوح في قوله: “الذي تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض”. ولله در الشيخ السعدي الذي فسر الغيض بالسقط بصورتيه، وكأنه طالع أحوال الأجنة الهالكة في أحدث المراجع العلمية. قال   (وما تغيض الأرحام)، أي تنقص مما فيها؛ إما أن يهلك الحمل (السقط الذي يلفظه الرحم)، أو يتضاءل (الإجهاض المخفي حيث ينكمش الجنين ويتضاءل)، أو يضمحل (الأجنة التي تتلاشى في الرحم).

وجه الإعجاز:

 إن دلالة غيض الأرحام على الإسقاط التلقائي المبكر بصورتيه: غور الأجنة وإسقاطها، وما يصاحبه من نقصان، ونضوب لبرك السوائل والدماء المحيطة بالأجنة، لهو إعجاز علمي واضح، سبق به القرآن الكريم علم الأجنة بقرون، وقد اتضح بيقين ـ في هذا الزمان ـ بعد تقدم علم الأجنة الوصفي والتجريبي دقة لفظ الغيض، في دلالته الشاملة لكل الأحداث التي تمر بها الأجنة الهالكة. وهكذا أثبت العلم بيقين دقة هذا التعبير وشموليته؛ وبهذا يتحقق السبق القرآني في الإشارة إلى حقائق علمية دقيقة، لم يكتشف معظمها إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، تحقيقاً لقول الله تعالى﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ص: 87, ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ص: 88.

أجل! إن ذكر القرآن الكريم لظواهر غيض الأرحام يعتبر إعجازاً علمياً باهراً.