ظلمة الفضاء


ظلـمـة الفـضـاء

قال تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾النازعات: 27, ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾النازعات: 28, ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾النازعات: 29، وقال تعالى:﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ الشمس: 1, ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾الشمس: 2, ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾الشمس: 3, ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾الشمس: 4، وقال تعالى:﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ يس: 37، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾الحجر: 14, ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾الحجر: 15.

 

الدلالة العلمية:

في قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾النازعات: 27، يستقيم حمل لفظ ﴿السَّمَاءُ﴾ على فضاء الكون حولنا، والوصف:﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ عائد على لفظ ﴿السَّمَاءُ﴾ فيعني أن الكون شديد الظلام، ولفظ ﴿اللَّيْلِ﴾ لازم الظلام، وهو يغشى الشمس كما يغشى كل الأجرام، وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ الضمير في ﴿يَغْشَاهَا﴾ عائد على الشمس، ولا يمثل نهار الأرض بالنسبة للقاطن عليها سوى طبقة رقيقة مثل سلخه جلد ذبيحة تخفي خلفها ظلام كامل البدن، وهو نفس التمثيل بإيراد لفظ ﴿اللَّيْلِ﴾ تعبيراً عن ليل السماء في قوله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ ، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾الحجر: 14, ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ الحجر: 15، تمثيل لمن يفاجئه ظلام الفضاء بمن سكرت عيناه فلا يرى سوى الظلام، خاصة مع نفي إغلاقها، والعدول في التعبير عن إغلاقها إلى ﴿سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا﴾ وما يحمل من زيغ للبصيرة يستقيم حمله على التعريض بالناكر.

 

التوافق مع العلوم الحديثة:

إن ضوء الشمس غير المباشر لا يمكن رؤيته إلا مع تشتته أو انعكاسه على الأجسام، وبسبب وجود جزيئات الهواء والماء والغبار العالق يتشتت ضوء الشمس فتظهر القبة الزرقاء، وهي ليست سوى ظاهرة ضوئية تتعلق بجو الأرض، وبسبب الانعدام لتلك الجزيئات في الفضاء خارج غلاف الأرض رغم توفر ضوء الشمس تظهر السماء لرواد الفضاء مظلمة كليل دائم حالك السواد، ومن المدهش أن بِسبق القرآن الكريم ويجعل للسماء ليلاً دائماً حالك السواد، يقول العلي القدير: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾النازعات: 27, ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾النازعات: 28, ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾النازعات: 29، والضمير في ﴿لَيْلَهَا﴾ عائد على السماء، وتمييزه عن ليل الأرض الذي يعقب النهار يجعله صفة للكون بجامع الظلام، قال ابن كثير: “وقوله تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أي جعل ليلها مظلماً أسوداً حالكاً، وفي قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ الشمس: 1, ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾الشمس: 2, ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾الشمس: 3﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾الشمس: 4، الضمائر كلها عائدة على الشمس، والمدهش بصريح التعبير أن تكون الشمس بازغة ويغشيها ليل السماء بظلمته الحالكة على الدوام رغم سيادة الليل ولازمه شدة الظلام كما يغشى كافة الأجرام.

والمنطقة من الجو التي ينتشر فيها ضوء النهار لا تزيد عن 2000كم، فهي بالنسبة للفضاء البالغ الاتساع كجلد ذبيحة رقيق إذا سلخ يظهر خلفه الظلام الدامس يعم كامل البدن، وهو نفس التمثيل فيقوله تعالى:﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾ يس: 37، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾الحجر: 14, ﴿لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾الحجر: 15، نفي إغلاق الأعين مع إثبات الظلمة كمن سكرت عيناه تأكيد للنبأ المعجز.