طور العلقة


طور العلقة

قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾المؤمنون: 14، وقال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾العلق: 2.

الدلالة النصية:

كلمة علقة مشتقة من علق، وهو الالتصاق والتعلق بشيء ما، والجنين في هذه المرحلة نجده يتعلق كذلك ببطانة الرحم خلال الأسبوع الثاني .كما يطلق الَعلَقُ على الدم عامة ، وعلى الدم شديد الحمرة ، وعلى الدم الجامد، وكل هذا يتوافق مع شكل الجنين في هذا الطور ، حينما تتكون لديه الأوعية الدموية المقفلة والممتلئة بالدماء خلال الأسبوع الثالث.

كما تطلق على دودة العلقة ، وهي دودة تعيش في البرك ، وتتغذى على دماء الحيوانات التي تلتصق بها ، والجمع عَلَقٌٌ.

وقد وصف ابن كثير هذا الطور في تفسيره، فقال : “أي صيًرنا النطفة علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة”.

الحقيقة العلمية:

تلتصق النطفة التامة التكوين، والتي تسمي في هذه المرحلة المتكيسة الجرثومية بجدار الرحم في اليوم السادس في بداية طور الحرث (الإنغراس) حتى تنـزرع تماماً، وتستغرق هذه العملية أكثر من أسبوع حتى تلتصق النطفة بالمشيمة البدائية، بواسطة ساق موصلة تصبح فيما بعد الحبل السري، وفي أثناء عملية الحرث تفقد النطفة شكلها لتتهيأ لأخذ شكل جديد هو: العلقة، الذي يبدأ بتعلق الجنين بالمشيمة، ووصف القرآن الكريم هذا التعلق بالعلقة، وهذا يتفق مع المعنى (التعلق بالشيء) الذي يعتبر أحد مدلولات (كلمة علق)، أما إذا أخذنا المعنى الحرفي للعلقة (دودة عالقة)، فإننا نجد أن الجنين يفقد شكله المستدير، ويستطيل حتى يأخذ شكل الدودة، ثم يبدأ في التغذية من دماء الأم مثلما تفعل الدودة العالقة، إذ تتغذى من دماء الكائنات الأخرى، ويحاط الجنين بمانع مخاطي تماماً، مثلما تحاط الدودة بالماء، وبين اللفظ القرآني (علقة) هذا المعنى بوضوح طبقاً لمظهر وملامح الجنين في هذه المرحلة. وطبقاً لمعنى (دم جامد أو غليظ) للفظ العلقة، نجد أن المظهر الخارجي للجنين وأكياسه يتشابه مع الدم المتخثر الجامد الغليظ، لأن القلب الأولي وكيس المشيمة ومجموعة الأوعية الدموية القلبية تظهر في هذه المرحلة، وتكون الدماء المحبوسة في الأوعية الدموية حتى وإن كان سائلاً، ولا يبدأ الدم في الدوران حتى نهاية الأسبوع الثالث، وبذلك يأخذ الجنين مظهر الدم الجامد أو الغليظ مع كونه دماً رطباً، وتندرج الملامح المذكورة سابقاً تحت المعنيين المذكورين للعلقة (دم جامد) أو (دم رطب)، أما الفترة الزمنية التي يستغرقها التحول من نطفة إلى علقة فإن الجنين خلال مرحلة الإنغراس أو الحرث يتحول من مرحلة النطفة ببطء، إذ يستغرق نحو أسبوع منذ بداية الحرث (اليوم السادس) إلى مرحلة العلقة حتى يبدأ في التعلق (اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر)، ويستغرق بدء نمو الحبل الظهري حوالي عشرة أيام (اليوم السادس عشر) حتى  يتخذ الجنين مظهر العلقة، والدلالات الواردة في الآيات المذكورة فيما يتعلق بالفترة التي تتحول فيها النطفة إلى علقة تأتي من حرف العطف (ثم) الذي يدل على انقضاء فترة زمنية حتى يتحقق التحول إلى الطور الجديد، وهكذا فإن التعبير القرآني (علقة) يعتبر وصفاً متكاملاً دقيقاً عن الطور الأول من المرحلة الثانية لنمو الجنين، ويشتمل على الملامح الأساسية الخارجية والداخلية، ويتسع اسم (علقة) فيشمل وصف الهيئة العامة للجنين كدودة عالقة، كما يشمل الأحداث الداخلية كتكون الدماء والأوعية المقفلة، كما يدل لفظ (علقة) على تعلق الجنين بالمشيمة، وبالإضافة إلى ذلك، فقد أظهر القرآن الكريم التحول البطيء من النطفة إلى العلقة باستعمال حرف العطف (ثم).

وجه الإعجاز:

إن الجنين في نهاية هذا الطور كما يقول المفسرون : يكون على شكل علقة مستطيلة ، لونها شديد الحمرة لما فيها من دم متجمد، وهذا يتوافق مع الشكل الأخير لهذا الطور؛ حيث يأخذ الجنين شكل الدودة التي تمتص الدماء وتعيش في الماء، ويشترك الجنين معها في قوة تعلقه بعائلة للحصول على غذائه من امتصاص دمائه ، والمدة الزمنية لهذا الطور هي من بداية الأسبوع الثاني وحتى نهاية الأسبوع الثالث من التلقيح، وإن وصف الجنين بتلك الصفة التي ورد بها النص القرآني لم يكن يخطر على بال بشر، وتطابق يقين العلماء المتخصصين بهذا الذي يتكلم هو الخالق العظيم، وأن المبلغ هو رسول رب العالمين.