طور العظام واللحم


طور العظام واللحم

قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾المؤمنون: 14.

الدلالة النصية:

النص الشريف يدل على طور آخر من الأطوار التي يمر بها خلق الجنين في بطن أمه، والذي يتمثل بتكون العظام واللحم، وذلك بعد طور المضغة، وقد أكد هذا المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها) رواه مسلم.

الحقيقة العلمية:

يذكر العلماء المتخصصون في علم الأجنة أن تكوين الأعضاء، وانتشار الهيكل العظمي بصورة ظاهرة يتم في اليوم الخامس والأربعين، كما في رواية عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما في صحيح مسلم (2645) : (سمعن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها))، وفي صحيح مسلم (2644) حديث حذيفة: (يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة…)، أي بعد طور المضغة، حيث يأخذ الجنين الشكل الإنساني الذي يتميز به عن أشكال أجنة الحيوانات التي كانت متشابهة معه في الأطوار الثلاثة السابقة، وهي طور النطفة والعلقة والمضغة، ففي اليوم الثاني والأربعين يبتدئ تشكل الهيكل العظمي الغضروفي الذي يعطي الجنين شكله الآدمي الخاص به، فيستقيم جذعه ويتكون له رأس كبير مستدير، وتتحرك العينان إلى الأمام في محلها في الوجه، كما أن الأذنين الخارجية والداخلية تتكونان بعد اليوم الثاني والأربعين، ويتم ذلك بالنسبة للأنف، أما الأذرع فتظهر وتصبح أكثر طولاً، وتظهر الأصابع واضحة، وهكذا مؤخرة العمود الفقري فتتراجع وتعتدل تاركة أثر لا يكاد يلاحظ، ويزيد الدكتور الشقفة –استشاري أمراض النساء والتوليد- هذا الأمر بياناً بقوله: “يظهر برعم في كل جانب في مكان الطرف العلوي في أول طور العلقة ثم ينمو، وهو مؤلف من ميزانشيم (Mesenchyme) محاط بطبقة أكتودرمية، ثم تتشكل نهاية البرعم على شكل كف وأصابع، وبنفس الوقت يكون قد ظهر تكثف في الميزانشيم لا يلبث أن يتغضرف ليكون طليقة العظام”.

وجه الإعجاز:

إن وصف القرآن الكريم لأطوار الجنين بشكل عام رغم قلة عباراته، إلا أنه جاء بسرد للحقائق في هذا المجال مما لا يمكن أن يوجد مثله في أي مرجع آخر، ومن ذلك ما جاء من ذكر طور العظام والكسوة باللحم في قوله تعالى: ﴿فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾، حيث أبان عن مرحلة نشوء العظام ثم كسوتها باللحم من العضلات والأربطة والجلد وغير ذلك مما جاء مطابقاً لما استقرت عليه حقائق علم الأجنة في زماننا هذا، فكان ذلك مثالاً من أمثلة الإعجاز العلمي الباهرة، حيث إن البشرية لم تعرف أن الجنين يمر بطور يتميز بظهور العظام، ومن ثم تكسى تلك العظام باللحم، إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر في الوقت الذي تميز النص القرآني في وصف مرحلة خلق العظام وكسوتها باللحم قد جاء معبراً عن مرحلة من المراحل التي ينقلب فيها الجنين ضمن أحشاء أمه بشكل دقيق، يتطابق مع ما ثبت للعلماء المتخصصين في هذا الميدان، أي بعد أربعة عشر قرناً من تنـزيل القرآن الكريم، ليكون في ذلك عبرة لأولي الأبصار، وليثبت للعالمين بأن هذا الكتاب العظيم الذي ورد فيه ذكر تلك الحقائق إنما هو وحي من الله العليم الخبير، إلى البشير النذير عليه أفضل الصلاة والتسليم، وليكون في ذكر تلك الحقائق كما يقول الدكتور الشقفة: “إعجاز رائع ودقة في الوصف فوق حدود التصور”.