سبق التقدير في الخلق


سبق التقدير في الخلق

قال تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾الأعلى: 1, ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾الأعلى: 2, ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾الأعلى: 3.

وقال تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾طه: 50.

وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾العنكبوت: 19, ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾العنكبوت: 20.

الدلالة النصية:

في قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾الأعلى: 1, ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾الأعلى: 2, ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾الأعلى: 3، دلالة صريحة على أن كل كائن في الوجود مخلوق ومهيأ بلا علم منه ولا إدراك وموجه بقصد، وفق غرائز موروثة للوجهة الصحيحة ابتداء كي يؤدي وظائفه متأقلماً مع بيئته بطرق غاية في الإحكام والإتقان تمكنه من الحفاظ على ذاته وعلى نوعه.

الحقيقة العلمية:

انتهت العلوم الطبيعية جميعاً مثل الفلك والفيزياء وعلم الأحياء إلى نفي المصادفة العمياء، ووجود تقدير مسبق في الخلق، وترابط وانسجام تام على كافة المستيويات ونظم ثابتة، وإلا ما كانت العلوم الطبيعية جميعاً لتكشف القوانين الثابتة، قال الفيزيائي هاوكنج Hawking: “ليس كل تاريخ العلم إلا التحقق التدريجي من أن  الأحداث لم تقع بطريقة اعتباطية، وإنما هي تعكس ترتيب ونظام ضمني أكيد”، وقال: “طالما أن للكون بداية (واحدة أكيدة) فحتماً لا بد له خالق (واحد)”، والخلية الحية مثلاً أكثر تعقيداً وروعة في أداء وظائف الحياة مما كان يظن دعاة الصدفة في القرن التاسع عشر، فهي تحتوي على محطات لتوليد الطاقة، ومصانع مدهشة لإنتاج الإنزيمات وأنواع من الهرمون عديدة كلها لازمة للحياة، ولا يوجد في الخلية وظيفة تؤدى عبثاً بلا فائدة، وفيها نظم نقل وخطوط أنابيب لنقل المواد الخام والمنتجات، ومختبرات بارعة، ومحطات تكرير تحلل المواد الخام إلى أجزائها الأبسط، وبروتينات حراسة متخصصة تغلف أغشية الخلية لمراقبة المواد الداخلية والخارجية، وبرنامج بالمعلومات الضرورية لتنسق الأعمال لتقع في وقتها المناسب المقدر وراثياً  سلفاً داخل جيناتها.

وقد رأى البعض بحساب الاحتمالات أنه أيسر لقرد يعبث بمفاتيح آلة كاتبة أن يصنع قصيدة المصادفة من صنع بروتين واحد المصادفة، فما بالك بالنظام والتخطيط والتصميم البديع الذي نراه في كل الكائنات الحية، وجميع التكوينات في الكون أجمع، ونشأة خلية واحدة من ذاتها يعد احتمالاً مستحيلاً، مثل احتمال قيام القرد بكتابة تاريخ البشرية كله على آلة كاتبة بلا أخطاء، وقد بين السير فرد هويل Sir Fred Hoyle في مقالة نشرت عام 1981م أن احتمال ظهور أشكال الحياة مصادفة يقارن بفرصة قيام سيل يمر بساحة خردة بتجميع طائرة بوينج 747 صالحة للطيران، والنتيجة التي يقود إليها العلم والمنطق، وليس الإيمان فحسب، هي أن كل الكائنات في الوجود قد جاءت بتخطيط وقصد، إذ أن كل شيء في الكون هادف من أجل الإنسان، ومن يظل معتقداً في عصرنا بالفلسفة المادية بعد ما دحضها العلم في مجالات علمية شتى عليه ألا يحسب نفسه من المحققين، قال ماكس بلاك: “ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرآ العبارة الآتية على باب محراب العلم: (تحلى بالإيمان)”، وقال الدكتور مايكل بيهي: “على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشف علم الكيمياء الحيوية … أسرار الخلية، وقد استلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم ..، وقد تجسدت نتيجة كل هذه الجهود المتراكمة … لدراسة الخلية … في صرخة عالية مدوية تقول: التصميم المبدع، والتصميم المبدع يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق”.

وجه الإعجاز:

إن تجدد الخلق في الأحياء، لتحمل نفس سمات وسلوك الأسلاف، والوظائف المحددة لكل خلية وعضو، وتكيف كل كائن مع بيئته بما يحفظ حياته وبقاء نوعه، وانسجام كل عضو في الجسم مع مثيله، وتناسب كل زوج مع جنسه ونظيره، هو عند النابهين دليل أكيد على سبق التقدير، وحسن التدبير ناطقاً بجلال المبدع القدير، وهذا ما يعلنه القرآن الكريم، ولا يصعب إدراكه حتى على البسطاء: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾الأعلى: 1, ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾الأعلى: 2, ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾الأعلى: 3.