تنفس الصبح


تنفس الصبح

قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾التكوير: 17و18.

الدلالة النصية:

في قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ﴾ إثبات لأمر يحدث ويتكرر كل يوم مع بدء النهار، حيث يمكن إطلاق وصف التنفس عليه.

جاء المقسم به شواهد على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد التعبير عن إشراق الجو وما يصاحبه من مظاهر معروفة في وقت الصبح، حيث ينتفخ الجو نتيجة السخونة كما ينتفخ الصدر في حال الشهيق، ثم ينكمش في المساء كالزفير، وهذا الذي جاءت النصوص بالإشارة إليه، علماً بأن إثبات ذلك جاء بعد تجارب ومشاهدات متواصلة ومضنية.

الدلالة العلمية:

لقد وُصف الصباح بالتنفس دون المساء، ومنحه الأولوية يتفق مع كون جبهة الأرض خلال حركتها حول الشمس، والأرض تدور حول نفسها في نفس اتجاه حركتها حول الشمس، ولذا جهة الليل أسرع بالفعل لجمع الحركتين بينما تخصمان جهة النهار، وترتيب الحركة ابتداءً من جهة الليل في اتجاه منطقة الصباح يوافق حركة الأرض حول نفسها من الغرب إلى الشرق.

وجهة الليل من الأرض أسرع من جهة النهار حقيقة، لاجتماع سرعتيها حول الشمس وحول نفسها.

والتنفس تمثيل، وهو في الإنسان خاصة مكون من شقين: (أولا) الشهيق Inspiration: وهو يتطلب جهداً من جهاز التنفس؛ خاصة العضلات، لإدخال الهواء، و(ثانيا) الزفير Expiration: وهو عملية تلقائية لا تتطلب جهداً لإخراجه، ولولا وجود هذا الغلاف الغازي لارتفعت درجة حرارة سطح الأرض خلال النهار إلى أكثر من (93مْ)، ولانخفضت أثناء الليل إلى ما دون (149مْ) تحت الصفر، علاوة على أنه يحمي الأرض وما عليها من كائنات حية من الإشعاع الشمسي أثناء النهار، ويبطئ من تسرب الحرارة وفقدانها أثناء الليل، ومع اكتشاف المنطاد والطائرة والأقمار الصناعية في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر والقرن العشرين عرف الإنسان الكثير عن طبقات الغلاف الجوي، وتنقسم حركة الهواء في الكرة الأرضية إلى حركات أفقية وأخرى رأسية، وتنتقل الرياح نحو مناطق التخلخل، فتخفف من برودة المناطق الباردة، وتقلل من حرارة المناطق الدافئة، وتحفظ التوازن الحراري، وبسبب حركة الأرض من الغرب نحو الشرق تنحرف الرياح إلى يمين اتجاهها في نصف الكرة الشمالي، وتتجه إلى يسار اتجاهها في نصف الكرة الجنوبي، وتتشكل حركات الهواء الرأسية أساساً تبعاً للتغيرات الحرارية في الغلاف الجوي، وترجع حركة الهواء الرأسية إلى التيارات الهوائية الصاعدة حيث يتكون ضغط منخفض للهواء الملامس لسطح الأرض نتيجة ارتفاع حرارة سطح الأرض عند الصباح تحت تأثير حرارة الشمس، فيتمدد الهواء ويرتفع رأسيا بينما يحدث العكس أثناء الليل كما لو أن إنسانا يتنفس.

وجه الإعجاز:

إن ورود ما يدل على ظاهرة التنفس في الآية الكريمة ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ في زمن لم يكن البشر على دراية بحصول الظواهر مع بدء النهار التي تماثل التنفس، ومع تقدم الزمن وفي العصور الأخيرة وبعد مشاهدات متواصلة، ورصد دقيق استقر لدى العلماء بأن هناك ظاهرة تحصل على سطح الأرض مع بداية النهار تضارع ما يحصل للإنسان عند تنفسه، فكان ذلك التطابق بين دلالة النص وتلك الحقيقة مثال إعجاز علمي باهر.