تركيب الجلد بينة علمية


من أبحاث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الكويت 1427هـ – 2006م

د. محمد دودح (يرحمه الله)

الباحث العلمي بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة

ملخص البحث

توجد في جلد الإنسان غدد عرقية تختص بتنظيم درجة الحرارة Eccrine Sweat Glands, وتوجد في جلد الكلب غدد تختص بالترطيب وتمييز رائحة الكلاب Apocrine Sweat Glands, لكنه لا يملك غدد تفرز عرق لتخفض درجة الحرارة الزائدة لذا لا يملك إلا اللهاث على كل حال سواء بذل جهدا أو سكن, واللهاث تسارع الأنفاس لتخرج معها الحرارة الزائدة وإذا اشتدت أخرج لسانه.

والعجيب أن يصور القرآن الكريم في مشاهد منوعة تجسد حال هالك لا محالة يفر أمام دلائل الوحي متجردا من فطرة الإيمان بمسلوخ فقد جلده الواقي ليصبح كالكلب خاصة؛ لا يملك إلا اللُهاث في كل الأحوال سواء بذل جهدا أو سكن فضلا عن كونه حيوانا بلا عقل؛ يقول العلي القدير: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـَكِنّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ. سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ. مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” الأعراف 175-178.

قال ابن القيم: “لما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته”, وقال ابن عاشور: ”الانسلاخ حقيقته خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده والسلخ إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده“, وقال الكلبي: “(و)اللهث.. تنفس بسرعة وتحريك أعضاء الفم وخروج اللسان وأكثر ما يعتري ذلك الحيوانات مع الحر والتعب (لكنها).. حالة دائمة للكلب ومعنى (إن تحمل عليه) إن تفعل معه ما يشق عليه.. (أو تتركه).. فهو يلهث على كل حال”, وقال أبو السعود: “تشبيه.. ما اعتراه بعد الانسلاخ.. بما ذُكر من حال الكلب”, وقال الرازي: “عم بهذا التمثيل جميع المكذبين بآيات الله.. لأنهم.. بقوا على الضلال في كل الأحوال مثل هذا الكلب الذي بقي على اللهث في كل الأحوال”.

وفي الجلد تركيبات دقيقة تقوم بوظيفة الإحساس Sensation, وإذا تدمرت تلك التركيبات عند حريق شديد يلحق بالجلد يتعطل نقل الإحساس ولا سبيل لإعادته سوى بتجديد الجلد وتبديل التالف, وهو ما اشار إليه التعبير بلفظ التبديل في قول العلي القدير: “إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً” النساء 56.

وقد لوحظ أن ترتيب الأعضاء في نظم القرآن الكريم يتفق تماما مع الواقع فتعطى العناية الأكبر بتقديم الأهم وظيفةً والممنوح أكبر مساحة بالدماغ أو المتقدم وظيفيا وتشريحيا تبعا للمقام, وفي مقام بيان أهم مناطق الجلد إحساسا يكتفي النظم بالوجه واليد خاصة البنان أو الأنامل ويحفظ الترتيب وفق درجة الإحساس والمساحة الممنوحة في الدماغ فيقدم الجباه والجنوب على الظهور, ورغم أن آية الوضوء تختص بحكم تشريعي فقد جاء الترتيب فيها موافقا تماما لأهم أعضاء الجلد في المركز الحسي بالمخ وبنفس الترتيب, يقول العلي القدير: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ” المائدة 6, وظاهرة الحفاظ على الرتبة في نظم الكتاب العزيز بما يتفق تماما مع أصل الخلقة السوية تكوينيا وتشريحيا ووظيفيا لا يمكن نسبتها للمصادفة خاصة مع التثنية والتكرير والحفاظ على المطابقة للواقع بلا استثناء رغم تباين المقامات واختلاف الوظائف والأعضاء, ولا توجد ظاهرة الحفاظ على الرتبة بما يوافق الحقائق الخفية قبل عصر العلم في أي كتاب يُنسب اليوم للوحي غير القرآن الكريم.  

وتتصل بالشعرة عضلة مجهرية تسمى العضلة الناصبة للشعرة وهي عضلة لا إرادية تتقلص عند القشعريرة عند البرد أو الإثارة كالفزع والرعب والمفاجآت فيقشعر الجلد, والقرآن الكريم ينسب القشعريرة للجلد صراحة ويصفه باللين بعد تقبض فيثبت تكوينه العضلي في قوله تعالى: “اللّهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” الزمر 23, وقبل اكتشاف المجهر في القرن السابع عشر لا يتوقع أن يصف مصدر بشري تلك العضلات المجهرية التي تجعله يقشعر من الخشية والوجل ثم يلين بعد تقبض, وفي كتاب في القرن السابع تشابهت في الإحكام مبانيه وتأكدت بالتثنية معانيه لا تفسير سوى أنه كلام العليم الحكيم, يقول تعالى: “أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ” يونس 38,39.

 

البحث كاملاً