تخريب البيئة بالنشاط البشري


تخريب البيئة بالنشاط البشري

 

قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ الروم: 41.

 

الدلالة النصية:

تشير هذه الآية إلى ما يكون من أوجه الفساد في البر والبحر إنما هو بسبب ما يجترحه الإنسان من عبث وإضرار وإفساد، ولذلك فإن عاقبة ذلك تنقلب عليهم معانات وضرراً.

 

الحقيقة العلمية:

إبتكر أرينيوس مصطلح الاحتباس الحراري Global Warning عام 1896م، وتوقع أن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض؛ مثلما يُعرف بتأثير دفيئة النبات Greenhouse effect، فإن أشعة الشمس تتغلغل وتسخن الداخل إلا أن الزجاج يمنعها من الرجوع إلى الهواء المعتدل البرودة في الخارج، واستنتج أنه في حالة تضاعف تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإننا سنشهد ارتفاعا بمعدل 4 إلى 5 درجات مئوية في درجة حرارة الكرة الأرضية؛ ويقترب ذلك من توقعات اليوم، وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ظهر اختلال في مكونات الغلاف الجوي نتيجة النشاطات الإنسانية وتقدم الصناعة، ونتيجة لزيادة معدلات العوادم الصناعية ظهرت ظاهرة الدفيئة وتغير المناخ، فتركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أصبح أعلى بحوالي 32% عما كان عليه تركيزه قبل الثورة الصناعية، وحسب تقرير اللجنة الدولية لمراقبة التغيرات المناخية قد ارتفعت درجة الحرارة ما بين 0.4 – 0.8°م خلال القرن الماضي.

وقد كشفت دراسة حديثة أن عدد الأعاصير المدمرة مثل كاترينا وأندرو قد تزايد خلال العقود القليلة الماضية، وعزت سبب هذا التزايد إلى ظاهرة الاحتباس الحراري‏، كما بينت أن عدد الأعاصير الشديدة قد ارتفع من 11 إعصارا سنويا إبان السبعينيات إلى 19 إعصارا منذ العام 1990، واستنادا للمبدأ القائل بأن المحيطات هي سبب التغيرات المناخية التي تحدث على اليابسة قال بيتر وبستر من معهد جورجيا للتكنولوجيا إن بخار الماء الناتج من ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات هو بمثابة الوقود الذي يعجل من سرعة الأعاصير، وأعلن أن معدل درجة حرارة مياه أسطح البحار قد ارتفعت درجة مئوية بين العامين 1970 و2004، وحذر غريغ هولاند من المركز القومي لأبحاث المناخ بأن من المحتمل أن تشهد السنوات المقبلة تزايدا في أعاصير تشبه في خطورتها وقوتها الإعصار كاترينا والإعصار أندرو، وأجمع الباحثون على أن ارتفاع درجات الحرارة على أسطح البحار سببه الرئيس هو الاحتباس الحراري.

وإذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب نتيجة لتراكم مخلفات المصانع خاصة في البلدان المتقدمة تلك، فمن المحتمل أن تزداد حرارة سطح المحيطات في المناطق الاستوائية، فتتضاعف الأعاصير وتزداد عنفا وضراوة ويذوب جليد القطبين ويرتفع مستوى سطح البحر ليدمر مدن الشواطئ، ويتوقع الخبراء أن يزداد ارتفاع سطح البحر إلى 88 سنتمتراً بحلول عام 2100 الأمر الذي يهدد حياة 100 مليون إنسان يعيشون على أراضي منخفضة، ناهيك عن تزايد الإصابة بالأمراض نتيجة لتزايد البعوض في الجو الحار، وقد نبهت هذه التحذيرات الدول للتداعي إلى الاجتماع في محاولة لتجنب الخطر من خلال اتفاقيات ملزمة كان أبرزها معاهدة كيوتو Kyoto Protocol الذي وافقت عليه كل الدول الصناعية الكبرى إلا الولايات المتحدة الأمريكية ذات المسئولية الأعظم في تخريب المناخ، ولكن مع توالي الأعاصير وتزايد عنفها يوما بعد آخر يدفع سكانها الأبرياء الثمن، وكل ذي حس إنساني تؤلمه المشاهد المروعة يواسي المنكوبين، وينتظر غد تتكاتف فيه أيدي الجنس البشري كله للعيش بسلام، والأمل على الأقل أن يُستجاب لتحذيرات الخبراء.

 

وجه الإعجاز:

لم يكن أحد زمن التنزيل يعلم أن الإنسان قد يفسد النظام البيئي العالمي، في البر والبحر من سوء صنيع الناس يحصل الضرر العام مما يتمثل بفساد الجو، والاحتباس الحراري والتلوث في الماء والهواء، ومختلف عناصر البيئة، فدل ذلك على أن مبدع هذا الكون العليم الخبير هو الذي أنزل هذا الكلام وحياً إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فكان النص في إشارته متفقاً تماماً مع ما قرره العلم، وهو مضمون الإعجاز العلمي.