المحيض وأخطاره الصحية


المحيض وأخطاره الصحية

 قال الله تعالى : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾البقرة: 222.

الدلالة النصية:

يرشدنا هذا النص الكريم إلى ضرورة عدم غشيان النساء حالة كونهن في العادة الشهرية (المحيض)، ويخبرنا بأن ذلك موئل أذى وضرر، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى بإرشاد للمرأة الحائض أن تتعاطى أسباب تطهير مكان نزول دم الحيض، كما في الحديث الذي يرويه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (إن امرأة من الأنصار قالت للنبي صلى الله عليه وسلم كيف أغتسل من الحيض، قال: خذي فرصة ممسكة، أي: قطعة قطن مبللة بالمسك فتوضئي ثلاثاً) وكل ذلك تنزهاً عن آثار الحيض الخطرة.

الحقيقة العلمية:

أولا: أثبتت الأبحاث أن هناك كائن دقيق طفيلي يسمى الترايكومونس يتضاعف في وقت الحيض أربعة أضعاف ما كان عليه قبله، وأنه يتسلق إلى الجيوب المهبلية في أعلى المهبل بدلاً من مكانه في أسفله، متحيناً فرصته ، ومترقباً صيده. ومعروف أنه يسبب التهابات في الجهاز البولي والتناسلي للرجل ، ومعروف أيضا أن انتقاله إليه لا يكون إلا عن طريق المباشرة الزوجية ، واحتمال الإصابة به قائم في ذلك الوقت إذا ما حدثت المباشرة.

ثانياً: يوجد في المهبل جراثيم نافعة تسمى عصويات (دودرلين)، تحمي المكان من غزو الجراثيم الضارة، فهي وسيلة دفاع ضدها من أن تدخل الرحم وقنواته ، وهذه الجراثيم النافعة تتغذى على السكر المخزون في خلايا جدار المهبل ، وتقع هذه الخلايا تحت تأثير هرمونات المبيض من ناحيتين: نسبة تخزين وتركيز السكر بها، وانفصالها من جدار المهبل، حيث وجد أن أعلى نسبة تركيز للسكر داخل تلك الخلايا تكون في منتصف الدورة الشهرية، وتقل تدريجياً مع انخفاض نسبة الهرمونات المبيضية حتى تتلاشى تماماً قبل الحيض بساعات وأثنائه.

كما أن هذه الخلايا تنفصل من جدار المهبل كجزء من عملية التجديد الدائم ، وقد وجد أن أعلى معدل لانفصال هذه الخلايا يحدث في منتصف الدورة الشهرية ، ثم تقل تدريجيا حتى تصل إلى الدرجة الدنيا قبل الحيض بساعات ثم أثنائه.

وعلى ذلك ، فإن أعلى نسبة لتركيز السكر في المهبل تحدث في منتصف الدورة ، وأقل نسبة هي قبل الحيض مباشرة ، وأقل منها إلى درجة العدم تكون أثناء الحيض. وبالتالي فإن عصويات دودرلين النافعة تصل إلى قمة تكاثرها ونشاطها في منتصف الدورة ، ثم تقل وتضعف قبل الحيض مباشرة.

وعند حدوث الحيض ونزول الدم ، فإن درجة التأين الحمضي للمهبل تتغير من الحامضية إلى القلوية ، فتموت تلك العصويات ويأخذها تيار الدم معه إلى خارج المهبل ، وعندئذ تتهيأ كل الظروف تماما في وقت الحيض لنمو وتكاثر الجراثيم الضارة ، ذلك لأن عصويات دودرلين وقت وجودها كان لها فائدتان: الأولى تحول السكر إلى حمض اللبنيك ، وهو قاتل للجراثيم الضارة ، والثانية كانت تكبل نمو الجراثيم الضارة ، وتقف دون نشاطها، بطريقة مازال يكتنفها شيء من الغموض.

وفي غياب تلك العصويات، وتبدل التأين الحمضي إلى القلوية، وفي وجود الدم الذي يعتبر الغذاء الشهي للجراثيم الضارة فإنها تجد المرتع الخصيب للنمو والتكاثر والنشاط وتتداعى جراثيم الشرج وجراثيم مجرى البول لتهاجم هذا المكان الذي غاب عنه حراسه.

وقد وجد أن هذه الجراثيم الضارة تزداد في أعدادها وأنواعها وقت الحيض ، ولا يمنع دخولها إلى جدار الرحم المتهتك في هذا الوقت بالذات،ولا نفاذها إلى داخل فراغ البطن ، ولا إلى اقتحامها الأنسجة الرخوة، والبالغة الطراوة في تلك الآونة الحرجة، سوى شيء واحد فحسب، ذلك هو تيار الدم الآتي المضاد من أعلى إلى أسفل.

ثالثا: يصيب المرأة أذى آخر في صورة آلام تعاني منها أثناء الجماع،وذلك لارتفاع مستوى مادة البرستجلاندين عند بطانة الرحم،والتي تؤدي إلى زيادة جريان الدم،مما يتولد منه احتقان الحيض وآلامه،وهذه المادة متواجدة في بطانة الرحم بكثرة أثناء الحيض ،وهي المسؤولة عن الآلام والاضطرابات النسائية خلال هذه الفترة والسائل المنوي غني بها،لذلك فالجماع أثناء الحيض يسبب ألماً وأذى مباشراً للمرأة،كما يسبب أذى للرجل فقد أثبتت العديد من الدراسات الحديثة الارتباط بين الجماع أثناء الحيض والتهابات المسالك البولية في الذكور والإناث على السواء،وتحدث الإصابة عادة خلال (24) ساعة بعد الجماع،وقد تكون الإصابة بالعقم مسببة عن نوبات التهابية متكررة حدثت بتكرر الاتصال أثناء الحيض.

رابعا: وجدت علاقة بين إتيان النساء في المحيض وسرطان عنق الرحم، وذكرت الإحصاءات فارقا كبيرا بين النساء المسلمات وغيرهن من النصارى أو الهنود حيث تصل النسبة إلى أقل من (16%)في المملكة العربية السعودية، بينما تصل إلى (40%)عند غيرهن، وفي بحث آخر أجري على النساء المسلمات في يوغسلافيا وجد أن النسبة واحد من كل(400)امرأة بينما عند غيرهن واحد إلى(90)، وعزى ذلك إلى الختان، والامتناع عن العلاقة الجنسية أثناء الحيض، والغسل والطهارة بعد الجماع ، وإزالة شعر العانة، وإلى العفة وعدم ممارسة الجنس خارج نطاق الزوجية. كما دلت الإحصاءات أيضا أن سرطان عنق الرحم يكثر بين البغايا ونزيلات السجون. ونشرت مجلة لانست الطبية سنة 1981م دراسة أوضحت فيها أن المرأة التي يمارس زوجها الجنس مع أكثر من امرأة هي عرضة للإصابة بسرطان الرحم أكثر من تلك التي أنعم الله عليها بزوج عفيف ملتزم.

وجه الإعجاز:

كما مر معنا سابقاً في بيان الدلالات العلمية لهذا النص القرآني العظيم، فإن الحقيقة الدامغة التي دل عليها أصبحت واضحة أمام كل العقلاء المنصفين من الأطباء والمتخصصين في هذا الشأن، وهي أن حالة الحيض استثنائية ينبغي اجتناب إيقاع الزوجة فيها كما يرشدنا إلى ذلك ربنا جل وعلا، وبهذا التطابق بين دلالة النص القرآني، وبين ما ثبت عن أصحاب الشأن يقيناً، يتبدى لنا وجه آخر من وجوه الإعجاز العلمي.