القرار المكين


القرار المكين

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ المؤمنون: 12-13، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ المرسلات: 20-21.

الدلالة النصية:

في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾، يستقيم حمل محل الحمل سياقاً على الرحم، ووصفه بلفظ ﴿قَرَارٍ﴾ ومن مشتقاته الاستقرار يعني توفير كل متطلبات الجنين في كل مراحل الحمل، ووصفه بلفظ ﴿مَكِينٍ﴾ ومن مشتقاته التمكين؛ أي حريز حصين معد مهيأ لأداء وظيفته، مثبت والجنين، مثبت فيه يحيط به ويحميه، وكأنه يد حانية تحيطه، وتمنع عنه الخطر؛ هذا هو مجمل ما قاله المفسرون قديماً في دلالة الوصفين الجامعين. 

الحقيقة العلمية:

المعلوم تشريحيا اليوم أن الرحم يقع في الحوض تحميه عظامه، وهي عظام سميكة تتألف من العجز والعصعص في الخلف، وعظمة الحرقفة في كل جانب؛ وهما يشكلان من الأمام عظمة العانة، وهذا الحزام العظمي وما يتصل به من عضلات سميكة يوفر للجنين حماية من الرضوض من كل جهة، والرحم أيضا يقع بين المثانة والمستقيم من الأمام والخلف، وتثبت الرحم في موضعه جملة أربطة تربطه بجدار البطن وعظام الحوض وتسمى الأربطة الرحمية Uterine ligaments، وهي ترفع الرحم وتحافظ على وضعية خاصة مناسبة للحمل Pregnancy والولادة labor، كهرم مقلوب قاعدته لأعلى كقبة، ومع تنامي الحمل يزداد حجمه تدريجيا بما يتواءم مع نمو الجنين إلى أن يبلغ أعلى تجويف البطن في نهاية الشهر الثامن، ومع إفراز الهرمون الموسع لمنطقة الاتصال بن عظمي العانة Relaxin بالجهتين يهبط أكثر في الحوض استعدادا للوضع. ومن الناحية الهرمونية يوجد نظام بالغ الدقة والاتزان يمنع تقلص الرحم، فيحمي الجنين من الإجهاض Abortion بارتفاع عتبة أو حد التقلص لألياف العضلة الرحمية بسبب ارتفاع نسبة هرمون البروجسترون progesterone،  وفي الشهر الثالث يبدأ الجسم الأصفر في المبيض في الضمور بعد أن تتسلم المشيمة الدور في الحفاظ على المد الهرموني إلى نهاية الحمل، وبهذا يضمن الجنين كل الرعاية، وتوفير كل متطلباته على طول الحمل هذا، زيادة على الحماية في حرز حصين معد مسبقاً بتقدير وتصميم وقصد، ومهيأ لأداء وظيفته على أكمل وجه، ومثبت بقوة ومرفوع رغم الثقل المحمول، والجنين آمن برعاية الله تعالى وحمايته.

وجه الإعجاز:

لقد ثبت لعلماء التشريح والمتخصصين في علم الأجنة أن الرحم بما يتمتع به من نسيج قوي، وأربطة محكمة، وما يكتنفه من أعضاء تقدم له الوقاية والحماية مع المكان الذي يحتله ضمن منطقة الحوض مما يزيده حماية وأمناً، لا يوجد وصف يمكن التعبير به عن حاله بدقة كما ورد في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ المؤمنون: 13، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾ المرسلات: 20-21،حيث وصف الرحم بالقرار المكين، فثبت التطابق بين دلالة هذه النصوص الشريفة، مع ما أثبته العلم يقيناً، فكان في ذلك المقال الباهر للإعجاز العلمي القرآني.