الطوفان العظيم


الطوفان العظيم

قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾القمر: 11 ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾القمر: 12 ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾القمر: 13﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾القمر: 14﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾القمر: 15، وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾العنكبوت: 15، وقال تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾هود: 44.

الدلالة النصية:

في قوله تعال: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾، قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور المتوفى عام 1939م (رحمه الله تعالى) ضمير المؤنث ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا﴾ عائد إلى ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ أي السفينة أي أبقينا سفينة نوح محفوظة لتكون آية تشهدها الأمم، وفي قوله تعالى:”واستوت على الجودي” تحديد لاسم الجبل ، وفيه معنى الاستقرار باستواء بلا ميلان قد يؤذي من فيها ، وقوله تعالى:” وحملناه على ذات الواح ودسر” تحديد لتكوين السفينة من الواح خشبية تربطها براشيم أو مسامير معدنية.

الحقيقة العلمية:

في مايو عام 1948 م كشفت الزلازل والأمطار عن آثار سفينة كبيرة متحجرة مطمورة في الرواسب الطينية على سفح جبل الجودي تحديدا في جنوب شرق تركيا بالقرب من حدودها مع سوريا والعراق؛ اكتشفها راعي غنم اسمه ر شيد سرحان من قرية أوزنجيلي  Uzengili الكردية القريبة من موقع السفينة, وفي أكتوبر عام 1959م في أحد طلعات طيران الجيش التركي عاين الطيار Durupinar السفينة المطمورة, وفي العام التالي 1960م أرسلت أول بعثة لمنطقة الأكراد الجبلية الوعرة في شرق تركيا لمعاينة السفينة على سفح جبل الجودي, ولا يعقل أن توجد سفينة على جبل على ارتفاع حوالي 2000 متر من سطح البحر إلا أن يرفعها شيء وليس في الأخبار والأسفار والقرآن سوى الطوفان، أثار الخبر دهشة كبيرة لأن قصة السفينة عند الملاحة أسطورة، والأسفار القانونية المعتمدة في الكنائس قالتأراراتوقال القرآن بل (الجودي) وصدق القرآن، وفي سفر التكوين: “وتعاظمت المياه كثيراً جداً على الأرض، فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء“, “واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراطإصحاح 7 فقرة 199 , و إصحاح 8 فقرة 4,  وتقع جبال أرارات شرق تركيا بالقرب من حدود أرمينيا و إيران، بينما يقع (الجودي) جنوب شرق على حدود العراق وسوريا، و أرارات سلسلة بركانية متصلة ذات قمتين المسافة بينهما حوالي 11 كم أدناهما ترتفع حوالي 4000  متر, و أعلاهما تكسوها الثلوج وترتفع حوالي 5000 متر فوق سطح البحر، وهي أعلى قمة في تركيا, وحتى لو خان التعبير كتبة الأسفار فقالوا )جبال أرارات( بدلا عن منطقة بجوارها؛ فمن أين إذن استمد القرآن هذا التحديد المعجز!.

ولم يبدأ الاهتمام الفعلي إلا عام 1985م، واستخدمت البعثات العلمية حتى مايو 2007م تقنيات حديثة، فأكدت الدراسة نبأ القرآن الكريم, و أظهر التصوير بالرادار واستشعار المواد المعدنية تركيب السفينة من الداخل بهيئة تكوينات طولية منتظمة كطبعة ألواح, وقد وجد الباحثون حفريات متحجرة حول السفينة لقواقع مياه عذبة ومياه مالحة ومرجان على ارتفاع لا توجد فيه بحار, واكتشفت بعض مسامير ربط الألواح الخشبية Rivets، وهي عادة تطرق من الجهتين لمنع الانفلات, وتسمى اليوم براشيمRivets  وسماها القرآن الكريمدُسر” كاشفا وحده تركيب السفينة قبل أن يعرف أحد شيئا عن تلك المسامير, قال تعالى﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ ، وأوجز الشيخ مناع خليل القطان رحمه الله ) ت 1420 هـ ( تفسير جمهور المفسرين بما يكاد يكون إجماعا بقوله: أي وحملنا نوحاً ومن معه على سفينة مصنوعة من الخشب والمسامير. وقد اعتاد القدماء استخدام مراسي حجرية تربط من أسفل السفينة بحبل لتستقر ويعرفوا العمق, وسفينة نوح من الضخامة بحيث تماثل حوالي نصف سفينة التيتانك الغارقة وليست بقليلة إلى جوار حاملة طائرات فلا بد أن مراسيها كبيرة, وفي عام 1989م اكتشف فاسولد Fasold مرساة عند قرية قريبة من موقع السفينة تدعى كازان Kazan , وقد يصل طول المرساة 2.5 متر وتزيد الواحدة عن 4 طن وتسمى بعدة لغات أنجر وأنقر، وباليونانية أنقرة وهو نفس اسم المدينة التركية, وبديهي أن تلقي السفينة مراسيها قبيل و صولها الآمن إلى مشارف سفح جبل الجودي, وشيئا فشيئا اكتشفت المراسي تباعا لترسم خط السير، وقد اكتشف حتى الآن 13 مرساة كانت تعمل كأثقال لتثبيت السفينة، وهي اليوم ترشد لخط السير نحو المناطق الجبلية الشرقية لتستقر السفينة قرب مدينة قديمة كانت تسمى ناك سوان Naxuan  وتعني بالإغريقية مدينة نوح.

 

وجه الإعجاز :

وقد أدت الأبحاث الجيولوجية في مناطق بلاد ما بين النهرين إلى اكتشاف طبقة طمي تفرق بين آثار حضارات قديمة تحتها، وأخرى أحدث فوقها مما يؤكد حدثالطوفان العظيمويبرهن على الوحي في أو صاف القرآن الكريم, ولم تخبرنا روايات كتبة الأسفار قط عن نبأ حفظ السفينة آية للعالمين بينما أكده  القرآن الكريم تأييدا لخاتم النبيين, قال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾العنكبوت: 15، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾القمر: 15، وبعد يقول العلي القدير: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾الطور: 33, ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾الطور: 34