الصلب والترائب


الصلب والترائب

قال تعالى: ]فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ[ الطارق: 5 – 10.

الدلالة النصية:

يتعلق الحديث بخلق الإنسان لقوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ﴾، ويتعلق ببعثه وحيدا بلا قوة ولا ناصر لقوله تعالى: ﴿إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾، وقد اشتبه على البعض فحملوا الخروج من بين الصلب والترائب على المني حيث مكوناته ذاتية الحركة، وقد وصفه لذلك تشبيهاً بالماء عديد النطف أو القطيرات باسم الفاعل دافق، أما البويضات فكلها مكونة عندما كانت الأم جنين، فكان الأصل الأبعد للإنسان متجمع في ظهر كل من الأب والأم عندما كانا جنينين، وتخرج أصول الخصية والمبيض في كلا الجنسين من بين أصول عظام الظهر المعبر عنها بالصلب وعظام الضلوع المعبر عنها بالترائب لتماثلها في الجانبين.

الحقيقة العلمية:

إذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشأ خصية الرجل ومبيض المرأة ما يفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب.. فكل من الخصية والمبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى ويقع بين الصلب والترائب، أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا ومقابل أسفل الضلوع.. فإذا كانت الخصية والمبيض في نشأتهما وفي إمدادهما بالدم الشرياني، وفي ضبط شئونهما بالأعصاب قد اعتمدتا في ذلك كله على مكان في الجسم يقع بين الصلب والترائب، وهذا كله لم يكشفه العلم إلا حديثا بعد ثلاثة عشر قرنا من نزول ذلك الكتاب، هذا وكل من الخصية والمبيض بعد كمال نموه يأخذ في الهبوط إلى مكانه المعروف فتهبط الخصية حتى تأخذ مكانها في الصفن، ويهبط المبيض حتى يأخذ مكانه في الحوض بجوار بوق الرحم، وقد يحدث في بعض الأحيان ألا تتم عملية الهبوط هذه، فتقف الخصية في طريقها ولا تنزل إلى الصفن فتحتاج إلى عملية جراحية.

والخلاصة هي أن السائل المنوي أشبه ما يكون بماء عديد النطف، ولا يقوم بتخصيب البويضة مجهريا إلا حيوان منوي واحد يماثل في عالم المرئيات بالعين المجردة نطفة (قطرة) من ماء من بين ملايين الحوينات، وتجتمع الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية في عضو تناسل مشترك Gonad، ثم يخرج كل منهما من منطقة بين بدايات العمود الفقري (الصلب)، وبدايات الضلوع (الترائب) ليهاجر المبيض إلى الحوض قرب الرحم، وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل، وإلا فشلت عند البلوغ في إنتاج الحيوانات المنوية.

وجه الإعجاز:

المعلوم حالياً أن خلق الإنسان يتم باتحاد حوين منوي واحد مع بويضة لتتكون “النطفة الأمشاج” وفق تعبير القرآن الكريم، أي ذات الأخلاط (الوراثية) من الزوجين من حيث التركيب، ونجد تلك الدلالة على ذلك واضحة في قوله تعالى ]إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ[ الإنسان: 2، وهو تعبير رائع لأنه أرجع خلق الإنسان إلى “نطفة” أو ما يماثل قطرة ماء واحدة، وبذلك يحصل تطابق باهر بين حقيقة علمية استقرت في هذا الزمن، مع ما ورد في كتاب الله عز وجل، وهذا هو جوهر الإعجاز العلمي، وصدق الله العظيم القائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾فصلت: 53.