الصدوع بين الألواح القارية


الصدوع بين الألواح القارية

قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾الطارق: 11 ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾الطارق: 12 ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾الطارق: 13﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾الطارق: 14

الدلالة النصية:

يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الأرض، والمقصود بها هنا الغلاف الصخري الصلب المحيط بجرمها، أنه قطع متجاورات يفصل بينها أخاديد، أي: صدوع عميقة، وهذه الكتل الصخرية غلب عليها بمصطلح العلم الألواح القارية وهي تتباعد عن بعضها مع مرور الزمن .

الحقيقة العلمية :

لقد قام العلماء برحلات عديدة رصدوا فيها وجود قشور عميقة تفصل بين أجزاء القشرة الأرضية فأطلقوا اسم الألواح القارية على تلك الأقسام ، وتسمى تلك الشقوق بالصدوع وترجع أصول تلك الصدوع إلى صدع أصلي واحد يسمى اليوم بالصدع الأعظم يقبع في منتصف المحيط الأطلسي إذ تتسم قشرة الأرض بصدوع عميقة تقسمها إلى ألواح قارية، وتقع الصدوع الكبيرة غالبا في منتصف المحيطات، ولكن لم يعرف إلا مع الثورة العلمية في القرون الثلاثة الأخيرة أن أرضنا محاطة بشبكة هائلة من تلك الصدوع العملاقة التي تحيط بكامل القشرة الأرضية إحاطة كاملة، وتمتد هذه الصدوع العملاقة لآلاف الكيلومترات في جميع الاتجاهات بأعماق تتراوح بين 56و 70 كيلو مترا تحت قيعان كل محيطات الأرض، وقيعان عدد من بحارها، وبين 150 إلى 100 كيلو مترا تحت القارات ؛ ممزقة الغلاف الصخري للأرض بالكامل إلى عدد من الألواح التي تعرف باسم ألواح الغلاف الصخري للأرض، وتطفو هذه الألواح الصخرية فوق نطاق لدن شبه منصهر عالي الكثافة واللزوجة، وتنطلق فيه تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى، حيث تبرد وتعاود النزول إلى أسفل، فتدفع معها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعداً بعضها عن بعض في إحدي حوافها، ومصطدمة مع بعضها البعض عند الحواف المقابلة، ومنزلقة عبر بعضها البعض عند بقية الحوا ف، وينتج عن هذه الحركات لألواح الغلاف الصخري للأرض عدد من الظواهر الأرضية المهمة التي منها اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها باستمرار عند حواف التباعد، وتكون أواسط المحيطات سلاسل من الجبال قد تظهر على السطح لتكون الجزر البركانية، وتكون أيضا السلاسل الجبلية عند حواف التصادم، وتصاحب الهزات الأرضية الإزاحة بين لوحين، وقد تؤدي إلى تكوين الطفوح البركانية، ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من 64 كيلومتر، وهي تتكون أساسا من الصخور البركانية المختلطة بقليل من الرواسب البحرية، وهي تحيط بالصدوع العملاقة، ومع تجدد صعود الطفوح البركانية عبر الصدوع العملاقة في وسط سلسلة الجبال البحرية يتجدد قاع المحيط بأحزمة حديثة من الصخور البازلتية المتوازية على جانبي الصدوع، وبذلك تكون  أحدث صخور قاع المحيط في وسطه، وهذه الحركة لألواح الغلاف الصخري للأرض كانت سببا في زحف القارات وتجمعها وتفتتها بصورة دورية، فيما يعرف باسم دورة القارات والمحيطات، وفيها قد تنقسم قارة ببحر طولي مثل البحر الأحمر إلى كتلتين أرضيتين تتباعدان باتساع قاع البحر الفاصل بينهما حتى يتحول إلى محيط، كما قد يستهلك قاع محيط بالكامل تحت إحدى القارات بدفع كتلة أرضية له تحت تلك القارة حتى تصطدما مكونتين أعلى سلاسل جبلية على سطح الأرض، كما حدث في اصطدام الهند بالقارة الآسيوية، وتكون سلسلة جبال الهمالايا التي بها قمة إفرست أعلى قمة جبلية على سطح الأرض، وهذه الصدوع العملاقة هي مراكز تتحرك عبرها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعدة أو مصطدمة، وهي تعمل على تسريب الحرارة المختزنة في الباطن نتيجة لتحلل العناصر المشعة؛ و إلا انفجرت الأرض. وعبر هذه الصدوع العملاقة تندفع ملايين الأطنان من الصهارة الصخرية على هيئة طفوح بركانية تثري سطح الأرض بالعديد من الصخور والمعادن النافعة، وتجدد شباب التربة الزراعية، وتكون مراكز مهمة لاستغلال حرارة الباطن، وعبر هذه الصدوع العملاقة وما صاحبها من فوهات البراكين حيث انطلقت الغازات والأبخرة التي كونت غلافي الأرض المائي والغاز ي، وتشير الكثير من الشواهد إلى أن الغلاف الصخري الأول للأرض كان مكونا من صخور أولية نتيجة لاندفاع الصهارة، وأن الأرض كانت مغطاة بالمياه على هيئة محيط غامر واحد، وبواسطة النشاط البركاني فوق قاع هذا المحيط الغامر تكونت أولى المرتفعات فوق قاعه على هيئة عدد من السلاسل الجبلية في وسطه ارتفعت قممها لتكون عددا من الجزر البركانية، ومع تحرك تلك الجزر البركانية تصادمت مع بعضها البعض، لتكون نوى عدد من القارات التي نمت بتصادمها مع بعضها، لتكون قارة واحدة عرفت باسم القارة الأم Pangaea التي ما لبثت أن تفتتت بفعل ديناميكية الأرض، وصدوعها العملاقة إلى القارات السبع الحالية التي ظلت تتباعد عن بعضها البعض حتى وصلت إلى مواقعها الحالية، ولم تصل البشرية إلى شيء من تلك الحقائق إلا في أواخر الستينات، و أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن هنا كان القسم القرآني بالأرض ذات الصدع من قبل ألف و أربعمائة سنة دليلا حاسما على أنه لا مصدر لهذا الوصف إلا الوحي.

وجه الإعجاز:

لقد توصلت البشرية في أواخر القرن الماضي ) العشرين (إلى الحقائق التي سبق ذكرها، والمتمثلة بأن هذه الأرض التي نحيا عليها منقسمة إلى كتل هائلة تسمى الألواح القاريةوتفصل بينها شقوق عميقة كل منها يسمى الصدع ، ولقد كانت هذه الحقيقة مما يستحيل معرفتها على البشر وقت التنزيل، فكان ذكر القرآن لها مثالاً باهراً من أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .. والله أعلم