الشمس سراج والقمر نور


الشمس سراج والقمر نور

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً يونس:5، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً الفرقان:61، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً نوح:15و16، وقال تعالى: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً . وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاًالنبأ: 12و13.

دلالة هذه النصوص الشريفة :

تصف هذه النصوص الشمس بأنها سراج وضياء كما تنعت القمر بكونه نوراً يعكس ضياء الشمس، أي أن الشمس مضيئة بذاتها لكونها متوهجة، وأما القمر والنجوم، فكلها خالية من التوهج ؛ ولذلك فهي تعكس ما يصل إليها من ضياء الشمس وحسب.

الدلالة العلمية:

بعد بحوث مضنية ومتواصلة توصل علماء الكون إلى حقيقة مفادها التفريق بين النجم والكوكب؛ وهو ما لم يتوصل إليه علماء الفلك الحديث إلا بعد اكتشاف المناظير وأجراء الدراسات الضوئية (الفوتومتريه) والطيفية على النجوم وعلى الكواكب خلال القرون القليلة الماضية، فالنجم ما هو إلا جسم سماوي متلألئ يشع الطاقة ذاتياً بينما الكوكب جسم سماوي ثابت الإضاءة يعكس الأشعة التي يتلقاها من النجوم والشموس، وينطبق هذا على التوابع الطبيعية للكواكب؛ أي الأقمار، وقد ذكر الحق تبارك وتعالى ذلك، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً، فلم يعدل عن وصف ما يصدر عن القمر بلفظ النور؛ أي الخالي من التوهج والذي يصدر عن جسم ذاتي الإضاءة كالشمس، ووصف الشمس بالتوهج وإصدار الضياء ذاتيا كالسراج.

علم فيزياء الشمس هو أحد فروع علم الفلك، وهو يدرس كل ما يتعلق بها، وهنالك العديد من المراكز العلمية لدراستها؛ فضلا عن عشرات الأقمار الصناعية وآلاف المراصد الأرضية لرصد وتتبع ظواهر هذا النجم العملاق الذي يتوسط كواكب مجموعتنا الشمسية، وقد جاءت النتائج لتؤكد أوصافاً أوردها القرآن بلغة تصويرية لا يعسر فهمها حتى على العوام.

وتنتج الشمس طاقتها الإشعاعية باستخدام مكونها الأساسي، وهو الهيدروجين كوقود ذري بتحويله إلى هليوم، وإنتاج طاقة هائلة في باطنها لا تكاد تنفذ، وتبلغ درجة الحرارة في باطن الشمس نتيجة للضغط الهائل حوالي 15 مليون درجة، وقد تزيد في نجوم أخرى، وتؤدي تلك الحرارة إلى حدوث تفاعل نووي باندماج أربع ذرات هيدروجين لإعطاء ذرة هليوم، ويصدر فارق الكتلة بهيئة إشعاع، وهذا يعنى أن الشمس تستمد طاقتها من باطنها كوقود نتيجة اندماج نووي في ظروف عاليه الضغط والكثافة والحرارة، وكأن الشمس مفاعل نووي عملاق قد سخره الحق تبارك وتعالى ليمد مخلوقاته الحية في الأرض بالنور والدفء والطاقة. وفي قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً؛ كان كافيا للدلالة على أن الشمس تصدر الضياء ذاتيا أن يمثلها القرآن الكريم بالسراج الذي يحوي فتيلته في باطنه، ولكنه أضاف صفة التوهج للسطح أيضا كأدق وصف للطبقة الخارجية المضيئة للشمس، والمتأججة بألسنة النيران التي تمتد عاليا في كل اتجاه حولها حتى إنها تسمى علميا الطبقة المضيئة Photosphere ، وتبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي ستة آلاف درجة مئوية، وهي نفس درجة حرارة باطن الأرض، ويحمل التوهج معنى التردد؛ وبالفعل تتردد قوة الانبعاثات الشمسية دوريا كما لو كانت رئة تتنفس كل حوالي 11 سنة.

وللانفجارت الشمسية تلك تأثير كبير على كوكب الأرض، فهي تؤثر مثلا على الاتصالات اللاسلكية؛ وحتى السلكية، وعلى مسارات الأقمار الصناعية، وعلى محطات الكهرباء الأرضية، وتحدث تغييرات مرئية للوهج القطبي، وقد اتخذ تأثير نشاط الشمس على مناخ الأرض أهمية كبيرة مع نهاية القرن العشرين بعد ثبوت تغير ثابت الإشعاع الشمسي مع دورة النشاط فى الشمس عن طريق رصد الإشعاع الشمسي بالأقمار الصناعية خارج الغلاف الجوي للأرض بداية من عام 1978 ؛ وذلك عن طريق القمر الأمريكي المسمى (الهالة 7  – Nimbut7) ثم ما تلاه العديد من أقمار صناعية حتى الآن، وأما الرياح الشمسية فهي سيل عارم من الجسيمات المتأينة تنطلق من الأكليل الشمسي بسرعة حوالي: 450 كم/ث، ويؤكد علماء المناخ أن تغير طفيف فى قيمة الإشعاع الشمسي قد يؤدي إلى تغيرات مناخية كبيرة على كوكب الأرض.

 

وجه الإعجاز:

إن من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ذكر هذه الآيات السابقة لوجود فرق بين النجم والكوكب، والتفريق بين جرم مضيء بذاته ويمكن وصفه بأنه سراج وهاج، وبين جرم وآخر لا يوصف بذلك، بل يطلق عليه وصف الإنارة لأنه يعكس نور غيره، فطابقت تلك الدلالة ما توصل إليه علم العقل الفلك الحديث والفيزياء، وثبت بذلك وجه آخر من وجه الإعجاز العلمي لتلك المطابقة .