الرضاعة الطبيعية


الرضاعة الطبيعية

قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ البقرة: 233، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ الطلاق: 6.

الحقيقة العلمية:

لقد أجريت تجارب عديدة في مجال تغذية المواليد، وقامت دراسات حول معرفة الغذاء الأنسب لهم، فظهر للعلماء امتياز لبن الأم عن اللبن الصناعي، بكونه دواءً بالإضافة إلى كونه غذاءً خاصة اللبأ colostrum؛ أي اللبن السميك الذي يفرز بتركيز مرتفع بعد الولادة مباشرة ويستمر 3-7 أيام، فهو مهم جداً لحياة الطفل، ومناعته ضد الأمراض لاحتوائه على نسبة عالية من الأجسام المضادة (الجلوبيولينات globulins) الضرورية لمقاومة مختلف أنواع البكتيريا، وبعض أنواع الفيروسات، مع حماية الوليد من الإلتهابات، حيث يحتوي حليب الأم كذلك على البروتينات المناعية كالانترفيرون المقاوم للفيروسات، ومجموعة كبيرة من خلايا الدم البيضاء المقاومة للأمراض، فتحتوي ملعقة شاي صغيرة من حليب الأم على حوالي 3 مليون خلية مناعية، في حين يخلو اللبن الصناعي تماماً من جميع الأجسام المضادة والخلايا والبروتينات المناعية، وهكذا فإن استفادة الأطفال الذين يعتمدون على اللبن الصناعي للتطعيمات المناعية قليلة جداً مقارنة بالذين يرضعون من لبن الأم.

هذا من ناحية الجانب الوقائي الذي يحققه الإرضاع من الأمهات، أما الجانب الغذائي فإن المواد التي تتوفر في حليب الأم تعتبر مثالية في تحقيقها لأمن الطفل الغذائي، وفي مناسبتها له، حيث المواصفات الكيميائية والفيزيائية والنفسية، بل ويحقق إرضاع الأمهات لمواليدهن –أطفالهن- فوائد كثيرة للأمهات أنفسهن.

وقد أكّدت جملة دراسات تزايد أمراض الحساسية بين أطفال الحليب الصناعي مقارنة بالذين يعتمدون على الحليب الطبيعي، فالأطفال الذين يتناولون حليب البقر يصابون بحساسية الجهاز الهضمي بنسبة قد تصل إلى 60%، وحساسية الجهاز التنفسي والربو بنسبة تبلغ 30%، وحساسية الجلد بنسبة قد تبلغ 70%، وترجع تلك العوارض إلى تمكن بعض البروتينات الموجودة في حليب البقر من العبور إلى الدم في الأمعاء التي لم تكتمل وظائفها بعد دون هضم، فتظهر حالات الحساسية تلك، وتحمي الرضاعة الطبيعية من سكري الأطفال (النوع الأول)، فقد أوضح ماير Mayer وباحثون آخرون أنّ الرضاعة الطبيعية تقلل من انتشار هذا المرض بين الأطفال بنسب قد تتراوح بين 25-50%، وذلك لأن بروتينات حليب الأبقار تحفز جهاز المناعة في جسم الرضيع على إنتاج أجسام مضادة تهاجم الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس وتدمرها، وتكثر لدى الأطفال الذين يرضعون من القارورة وفيات مفاجئة غير معروفة السبب تعرف طبياً بموت المهد Sudden infant death syndrome، لكنها نادرة عند من يرضعون من أمهاتهم، ونسبة وفيات القارورة حوالي الضعف، والنمو النفسي للأطفال للذين يرضعون من أمهاتهم متوازن بينما تكثر العلل النفسية في الأطفال الذين يعتمدون على القارورة.

 وبالنسبة للأم فللإرضاع الطبيعي فوائد جمة؛ منها أنه يساعد على انقباض رحم المرضعة وعودته إلى حجمه الطبيعي بعد الولادة، أما غير المرضعات فلا يعود الرحم إلى حجمه الطبيعي، فالرضاعة تزيد من إفراز هرمون الأوكسيتوسين Oxitocin الضروري لإدرار الحليب من الثدي، وهو أيضاً مهم جداً لإعادة الرحم المتضخم بعد الولادة إلى حجمه ووضعه الطبيعيين، وهو يسبب انقباض عضلة الرحم فيمنع النزف الشديد إثر الولادة، ويقي الأم من حمى النفاس الخطيرة، ومن الجلطات التي قد تحدث أثناء فترة النفاس، وتساعد عملية الإرضاع على تمتين الروابط العاطفية بين الأم ووليدها، كما تمنح الأم حالة من الرضى والاكتفاء العاطفي والنفسي، ويمنع الإرضاع غالبا حصول الحمل عند المرضعات دون الحاجة إلى تناول موانع الحمل إذا اقتضت الضرورة، فالرضاعة الطبيعية تزيد من إفراز هرمون البرولاكتين Prolactin من الغدة النخامية، فيدر اللبن ويثبط المبيض، فيؤدي إلى إيقاف الدورة الشهرية فيحصل بذلك التباعد بين الولادات مما يفيد الأم والطفل معاً، وأما الاكتشاف المذهل الذي يساوي إمبراطورية، فهو إعلان د. مارك كريجان Mark Cregan من إحدى الجامعات بأستراليا عام 2009م عن وجود خلايا جذعية Stem Cells بحليب المرضعة تساهم مستقبلاً في تشكيل البنية الجينية للرضيع، وهي تعني قرابة جينية بين الرضيع والمرضعة وأبنائها، مما قد يوضح جانب من علة دخولهم في محرمات الزواج في قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ﴾النساء: 23، والخلايا الجذعية هي خلايا أولية غير متخصصة إلى أعضاء توجد في كافة الأعضاء تقريباً كاحتياط لتعويض خلايا الأعضاء وترميمها في حال تضررها، وهي توجد مثلاً في نخاع العظام لتعويض خلايا الدم والصفائح الدموية التي انتهت مدة عملها، وتقوم البحوث العلمية الحديثة باستنبات الخلايا الجذعية معملياً، وتحويلها لخلايا أي عضو مصاب بالجسد، فقد تقوم مثلاً بتعويض خلايا البنكرياس المتضررة، والتي تفرز الأنسولين فيتم علاج مرض البول السكري نهائياً، يقول د. مارك كريجان: “قدرة الخلايا الجذعية في حليب الأم أقدر على التميز من الخلايا الجنينية المستمدة من المشيمة”، والاكتشاف المثير إذاً أن ليس مادة غذائية فحسب كما نعلم سابقاً.

وجه الإعجاز:

في قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ إرشاد واضح ومؤكد إلى اعتماد رضاعة الأم مما يعني تميزها على كل ما عداها من مظاهر تغذية المواليد، وبالفعل قد تأكد حديثا أن لبن الأم هو الأنسب لرضيعها؛ فإن تعذر فالبديل لبن مرضعة أخرى، أي أن أفضلية اللبن البشري محافظ عليها في القرآن الكريم، ولقد ثبت بالفعل أن الألبان الحيوانية المجففة فقد تضر، مما يعني أن ما أرشد إليه القرآن الكريم يتطابق مع ما أثبته الواقع العلمي، مما يدل على أن هذا القرآن هو كلام الله وأن من بلغنا إياه إنما هو يوحى من الله وهذا هو منطق الإعجاز العلمي.