الخلق والتصوير


من أبحاث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الكويت 1427هـ – 2006م

د/ محمود عبدالله ابراهيم نجا

معيد بقسم الفارماكولوجيا الاكلينيكيه- كلية طب- جامعة المنصوره – مصر

ملخص البحث

(أ) النص المعجز: الآيات  و الأحاديث التي تتكلم عن التصوير مقرونا بالخلق أو منفصلا عنه:

أولا: آيات التصوير فى القرآن بترتيب المصحف: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) 6 آل عمران. (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ)11 الأعراف. (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) 64  غافر. (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى)24 الحشر. (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ .خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)  2, 3 التغابن. (يَا أَيُّهَا الأنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ .الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ .فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) 6, 7, 8 الانفطار.

ثانيا: أحاديث التصوير: (خلق الله آدم على صورته) البخاري ومسلم. (إذا مر بالنطفة اثنتان و أربعين ليله بعث الله إليها ملكا فصورها و خلق سمعها وبصرها و جلدها و لحمها وعظامها ثم قال يا رب اذكر أم أنثى فيقضى ربك ما يشاء ويكتب الملك ). مسلم.(اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صورته وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) مسلم.  

(ب) الحقيقة العلمية المرتبطة بالنص: من خلال فهم العلاقة بين الخلق و التصوير سوف يتبين لنا بمشيئة الله الاعجاز العلمي في حديث القرآن و السنه عن الحامض النووى و كيفية انتقال الصفات الوراثية من الأباء الى الأبناء, وما يحدث فى الدورة الخلوية (cell cycle) من انقسام منصف (ميوزى) أو تضاعفى (ميتوزى), و كيفية تحسين النسل فى أثناء تكوين الأمشاج و فى أثناء التقدير الوراثىللنطفه. كما سوف يتبين لنا العلاقهالتى تربط بين الخلق و التصوير فى الأصلاب و فى الأرحام.

(ج) وجه الإعجاز في النص: مع أن كل الكائنات الحية مختلفه في الأشكال و الصفات الا أنها بالاجماع تعتمد فى تكاثرها على وجود الحامض النووىفى كل خلاياها مما يدفعنا إلى الاستنتاج بوحدانية الخالق الذى شهد لنفسه بالوحدانيه {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ولا يدعى الخلق لنفسه الا من علم سرالمخلوقات {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} و حين ينسب الله التصوير فى الأرحام لنفسه فانه بذلك يقدم دليلا عمليا على أنه يعلم سرالمخلوقات بما فى ذلك الحامض النووى المسؤول عن نقل الصفات الوراثيه من الأباء الى الأبناء. والله قد أخبرنا أنه بدأ خلق الانسان بخلق آدم من الطين {وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَانِ مِن طِينٍ} و خلق حواء من آدم  {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ثم جعل الله  نسل آدم و حواء من الماء المهين {وَبَدَأَ خَلْقَ الانسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ} أى من الأمشاج التى تخلق و تصور فى الأصلاب ثم تجتمع فى الرحم لتعطى النطفه {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ.  ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} و نلاحظ أن الهاء فى (جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً) عائده على الانسان بكل صفاته. و فى هذا الاخبار الربانى عن جعل الانسان نطفه اعجاز علمى غايه فىالدقه, اذ كيف تتساوى النطفهالتى تمثل خليه واحدة لا ترى بالعين المجرده مع الانسان الذى يتركب من بلايين الخلايا. و هذا الاعجاز لم يعرفه العلم الا منذ فتره بسيطه عندما تمكن من فحص النطفه ليكتشف وجود انسان كامل يعرف باسم الحامض النووى (دنا (DNA = لا يكاد يذكر فى الحجم و لكنه يحمل شفره وراثيه كامله للانسان و يمكن أن نسميه بالانسانالجينى أو النطفه الأمشاج {إِنَّا خَلَقْنَا الانسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}و النطفههىالمسؤله عن نقل البرنامج الوراثى من الأباء الى الأبناء {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}. و اذا أخذنا بترتيب سورالمصحف نجد أن أول مره يجتمع فيها ذكر الخلق مع التصوير فىآيه واحده هى (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ). و بالرجوع الى كتب المفسرين نجد أنهم قد اختلفوا فى تأويل هذه الآيه,فذهب بعض المفسرين كالطبرى و ابن كثيرالى أن المقصود فى هذه الآيه هو آدم فقط و ليس الذرية. و ذهب البعض الأخر و هم الكثرة الى أن التصوير فى هذه الآية يمتد ليشمل آدم و الذرية. قال القرطبى و الشوكانىو أبو جعفر النحاس نقلا عن أقوال العديد من السلف الصالح كابن عباس و قتادة و السدي و الضحاك و عكرمة و الأعمش و مجاهد و الحسن الى أن (خلقناكم) أي خلقنا آدم و(صورناكم)  أي صورنا  الذرية. و كلام هذا الجمع الغفير من السلف الصالح و على رأسهم ابن عباس يدل على أن الذرية خلقت و صورت قبل السجود لآدم كما هو ظاهر من سياق الآية (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَم). قال القرطبى, بدأ الله خلقكم أيها الناس بآدم و حواء و خلقكم منهما بخلق و تصوير الأمشاج فى الأصلاب و التىيكون منها خلقكم و تصويركمفىالأرحام ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.  فالله يخلق الكائن الأول من كل جنس من الأجناس المختلفه للكائنات الحيه ثم يحعل له ذريه على صورة الكائن الأول من خلال خلق و تصوير الأمشاج فى الأصلاب و هى لا تحوى الا الحامض النووى, ثم تلتقى الأمشاج فى الأرحام لتكوين النطفه و التى لا تحتوى الا على الحامض النووى. و من النطفه يتم خلق و تصوير الذريهفى الأرحام فذاك اسمه المصور و فعله التصوير (هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء) ليجعللكل كائن حىكالانسان صورة مميزة له عن باقى الكائنات التى ركبها الله وفق مشيئته (فىأى صورة ما شاء ركبك). و العلم الحديث يقول بأن الصورة الشكليه للكائن لن تتركب الا فى وجود الحامض النووي (دنا) الذى يمثل الصورة الجينية (الشفرة الوراثية)  للصورة الشكليه للكائن. و باذن الله سوف نثبت فى هذا البحث أن القرآن و السنة يتحدثان عن الحامض النووي من خلال الكلام عن الخلق و التصوير.

 

البحث كاملاً