الحكمة الباهرة في تشريع قاعدة النظافة  


الحكمة الباهرة في تشريع قاعدة النظافة  

قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾التوبة: 108، وقال تعالى: ﴿وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾البقرة:222.

الدلالة النصية:

النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وكلها نهدف إلى تأسيس مبدأ النظام في حياة المسلمين، والتنزه عن الوساخة والقذارة، وتعاطي ذرائع الإستطياب والنزاهة، وهذان النصان يدلان على أن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده من كان ملتزماً بمبدأ التنظف والتنزه عن الأدران، ويؤكد ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سأل أهل قباء عن سبب ثناء الله عليهم في كنابه، فأخبروه بما يفيد حرصهم على مزيد التطهر والتنـزه.

الحقيقة العلمية: 

تقول المراجع الطبية الحديثة: إن الجلد يعتبر مخزنا لنسبة عالية من البكتيريا والفطريات ، وتوجد معظم هذه الكائنات الدقيقة بكثرة على الوجه ،وعلى البشرة ،وعلى جذور الشعر، وفي الغدد الدهنية ، ويتراوح عددها من عشرة آلاف إلى مائة ألف جرثومة على كل واحد سنتيمتر مربع من الجلد، وفي المناطق المكشوفة من الجلد يتراوح العدد من مليون إلى خمسة ملايين جرثومة /سم 2.وترتفع هذه النسبة في الأماكن المخبوءة الرطبة مثل المنطقة الإربية ،وتحت الإبطين إلى عشرة ملايين جرثومة /سم 2. ونسبة الكائنات الدقيقة على الشعر كنسبتها على الجلد. فالغسل منظف لجميع جلد الإنسان ، والوضوء ينظف الأجزاء المكشوفة منه ، وهي الأكثر تلوثا بالجراثيم ، لذا كان استعمال الماء أمرا هاما، لأن هذه الجراثيم في تكاثر مستمر ، والوضوء والغسل خير مزيل لها.

 ولو استعرضنا مناطق الجسم التي يشملها الوضوء ،لتبين لنا أحد وجوه الحكمة العظيمة منه : فالفم والأنف هما المدخلان الرئيسان لأعضاء الجسم الداخلية ، فنظافتهما من الجراثيم تعني حماية الأجهزة الداخلية من المرض والعطب. وذلك بالمضمضة والسواك وغسل تجويف الأنف بالاستنشاق والاستنثار.

 المضمضة والوقاية من الأمراض:

توجد في الفم تجمعات كبيرة من الكائنات الدقيقة، وبأنواع مختلفة تزيد على ثلاثمائة مستعمرة ، ويحتوي اللعاب على حوالي100مليون جرثومة/مم ، وقد توجد بعض الفطريات والطفيليات الأولية في عدد من الأشخاص،وتشكل أنواع الميكروبات السبحية من 30-60% من البكتيريا المتطفلة ، وهي التي تسبب التهاب اللوزتين والحلق، وللقضاء على هذه الأعداد الهائلة من الجراثيم، ومنع آثارها الضارة حرصت الشريعة الإسلامية على أمرين: الأول: المضمضة وهي تكرار غسل الفم بالماء عدة مرات في اليوم. والثاني: الحث على استعمال السواك.

وكذلك حرصت على نظافة الأنف من الجراثيم الممرضة باستنشاق، واستنثار الماء في الأنف ، لأن في ذلك فوائد طبية كثيرة ، أهمها أنه يزيل الكائنات الدقيقة التي تعلق في جوف الأنف وتستقر به. ولقد أثبتت الدراسات والبحوث التي أجريت بغرض معرفة تأثير الوضوء على صحة الأنف ، أن أنوف من لا يصلون تعيش بها مستعمرات جرثومية عديدة وبكميات كبيرة ، وأن أنوف المتوضئين ليس بها أية مستعمرات من الجراثيم ، وفي عدد قليل منهم وجد قدر ضئيل من الجراثيم ما لبثت أن اختفت بعد تعليمهم الاستنشاق الصحيح. وبهذا ندرك عظم وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالمبالغة في الاستنشاق وتكراره ثلاثا. وهكذا فإن اليدين، والذراعين، والوجه، وشعر الرأس، والقدمين ،وأسفل الساقين ، هي أجزاء مكشوفة من البدن ، فغسلها بالماء ينقيها من الكائنات الدقيقة ويزيلها عنها، وبما أنه يختبئ عدد كبير من هذه الكائنات في الأخاديد بين الأصابع، وعلى عقدها. لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخليل أصابع اليدين والقدمين وغسل عقدها، وذلك تعقبًا لما يمكن أن تحويه هذه المخابئ من الجراثيم والفطريات الضارة، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بنظافة اليدين خاصة ، وحض على غسلهما عدة مرات في اليوم : قبل الطعام وبعده ، وبعد الاستيقاظ من النوم ، وبعد الخلاء ، وبعد كل تلوث، وذلك لما لليدين من خطورة في نقل الأمراض، وانتشار الأوبئة عن طريق مس الطعام أو الشراب أو المصافحة. ومن أجل ذلك كان الوضوء المستمر والغسل ، خير مزيل لهذه الكائنات ومجفف لهذا المخزن الخطير.

الغسل وأثره الوقائي:

 لقد شرع الإسلام على المسلم غسل جميع بدنه بالماء على وجه الإلزام في مواطن معينة ، كغسل الجنابة والحيض والنفاس وندب إليه ، في أكثر من سبعة عشر موطنا أخرى؛ كغسل الجمعة والإحرام بل قد حدد فترة زمنية يُكرَهُ تجاوزها بغير غسل فقال صلى اللهعليه وسلم: » حق الله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً يغسل فيه رأسه وجسده« رواه البخاري. إن غسل جميع البدن بالماء وجوباً أو استحباباً يحقق غاية الكمال من نظافة الجسم كله ، وتنقيته من الضرر والخبث ، ويزيل للعدد الهائل من الكائنات الدقيقة التي تعيش على جلد الإنسان. وقد أثبتت عدة دراسات قام بها علماء متخصصون أن الاستحمام يزيل عن جلد الإنسان 90% من هذه الكائنات في المرة الواحدة.

وجه الإعجاز:

إن من يعلم فوائد النظافة التي أرشدنا الله ورسوله إلى التزامها، وما أرشدنا إليه ديننا الحنيف من الوضوء والغسل وغير ذلك من مظاهر النزاهة والطهارة والنظافة، ويقارن فوائد ذلك مع ما ثبت للعلماء والأطباء، وخصوصاً من الحقائق اليقينية، يدرك أن الدين الإسلامي قد سبق إلى تقرير قواعد خالدة وباهرة في هذا الميدان مع جهل الناس في زمن التــنــزيل بآثاره، وفوائد تلك القواعد التي تجعل من المجتمع الإسلامي مجتمع النظافة والطهارة، فدل ذلك على ربانية هذه النصوص، وصدق رسالة الذي بلغنا إياها عليه الصلاة والسلام.