الجبال الرواسي


الجبال الرواسي

قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ 41 فصلت: 10، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾الأنبياء:31، وقال تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾النحل: 15، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾النبأ: 6 ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾النبأ: 7،وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾الغاشية: 17 ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ الغاشية: 18 ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾الغاشية: 19 ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾الغاشية: 20

الدلالة النصية:

يمكن الفهم من النصوص الكريمة أن الجبال التي نراها اليوم كعلامات ثوابت على القارات ليست أبدية الوجود؛ وإنما لها عُمُر، و إن طال محدود، ويمكن حمل لفظ (الأرض) طبقاً للسياق على الطبقة الصلبة تحت أقدامنا، والتي تحمينا من خطر الباطن الملتهب، والتي يصطلح عليها المختصون بالطبقة الصخرية أو قشرة الأرض؛ خاصة مع تشبيهها بمهاد الصبي الذي يحميه من خطر مما هو دونه، وخاصة مع تشبيه الجبال بالرواسي التي كانت كتلا صخرية تمتد تحت السفن الشراعية بحبال لتثقلها، وتمنعها أن تميد فوق تيارات المحيط، والدلالة إذاً  أن الألواح القارية كانت تميد وتضطرب في أول عهدها حتى نشأت الجبال وامتدت عميقا لتقوم بتثبيتها حتى لا تميد وتضطرب تماما كرواسي السفن.

الحقيقة العلمية:

قد تنشأ الجبال وتنصب من جراء تصادم قارة بأخرى مجاورة، ومن الأمثلة الجيولوجية المعروفة نشأة جبال الهيمالايا، فقد كانت الهند واقعة على الحافة الجنوبية لبحر قديم لا وجود له اليوم، بينما كانت التبت تقع عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة، وقطعت الهند مسافة حوالي 1500 كم أثناء زحزحتها شمالاً باتجاه قارة آسيا إلى أن أتى وقت اختفى فيه البحر، وجاءت لحظة التصادم المحتومة، فارتفعت أرض الهند، وحينئذ نصبت على جبال في الأرض، وهي جبال الهيمالايا. وتعلو قمة جبال الهيمالايا ثمانية كيلو مترات ونيف عن سطح البحر، وقد أثبت المسح الجيولوجي أن جبال الهيمالايا تمتد عميقا لمسافة قد تزيد عن 65 كيلو متر، وهكذا يكون الجزء المختفي من الجبال تحت السطح يعادل أضعاف الجزء البارز فوق السطح، وهذا الامتداد في الأرض المماثل لامتداد الوتد لم يعرفه بشر عند نزول القرآن الكريم بالقطع، ناهيك عن التماثل في الوظيفة كذلك، لأن الوتد يقوم بتثبيت الخيمة، وكذلك تقوم جذور الجبل بحفظ ثبات الكتلة الطافية فوق طبقة الدثار الملتهب للأرض.

وهذا التوازن Isostasy الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى في الأرض مدهش حقا؛ حيث جعل الغلاف الصخري يطفو بنفس قانون الطفو للبواخر فوق غلافه اللدن الملتهب, وترسو أو تطفو القارات وقيعان البحار على وشاح الأرض، كما يطفو جبل الجليد فوق الماء، وتضرب القارات بجذورها في وشاح الأرض ويلاحظ أن الجذور أسفل الجبال أكثر عمقا من الجذور تحت المناطق المستوية، وتطفو الألواح القارية المثقلة بالجبال المشبهة بالرواسي فوق تيارات الباطن الملتهب تماما كما تطفو السفن، وتثبت فوق تيارات المحيط، هذا ما اكتشفه العلم حديثا؛ ولكن القرآن قد سجل ذلك قبل العلم بأكثر من ألف سنة بأسلوب وصفي فريد. ولا يمكن أن تلتقي تلك المعرفة الحديثة مع فيض الدلالات العلمية في حديث القرآن عن تاريخ الجبال ووصف تكونها؛ إلا أن يكون هو الوحي من عند الله العليم وحده تعالى بكل الأسرار.

وجه الإعجاز:

إن هذا الوصف الذي وصف الله به الجبال من كونها رواسي لم يكن معروفاً وقت التنزيل حتى جاءت الاكتشافات العلمية المعاصرة  فأثبتته وفق ما ورد في القرآن الكريم ليكون شاهداً على أن هذا القرآن منزل من لدن حكيم خبير.