الثقوب السوداء


الثقوب السوداء

قال تعالى: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾التكوير: 15, ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾التكوير: 16, ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾التكوير: 17, ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ التكوير: 18, ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾التكوير: 19

الدلالة النصية :

تدل هذه النصوص على وجود نجوم عظيمة تتصف بالظهور والاستتار، ولها إمكانية ابتلاع ما تصادفه من موجودات في الفضاء، أي تقوم بعمل يماثل عمل المكانس العظيمة في الفضاء الرحب.

الحقيقة العلمية:

يرجع طرح فرضية إمكانية وجود مثل هذه الظاهرة إلى لاكت شاف رومر في القرن السابع عشر أن للضوء سرعة محدودة، وهذا الاكتشاف طرح التساؤل: لماذا لا تزيد سرعة الضوء إلى سرعة أكبر؟، وكانت الإجابة: لأنه قد يكون للجاذبية تأثير على الضوء، وبناء على هذه الملاحظة كتب جون مين شل عام 1782م مقالاً أشار فيه إلى أنه قد يكون للنجم الكثيف جاذبية شديدة حتى إن الضوء لا يمكنهُ الإفلات منها، فأي ضوء ينبعث من سطح النجم تعيده هذه الجاذبية، واقترح أيضاً وجود نجوم عديدة في الكون لها تلك الصفة، ومع أننا لا يمكننا أن نرى الضوء لأنها لا تبعثه إلا أننا نستطيع تلمس جاذبيتها، وهذه النجوم هي نفسها ما نسميه اليوم بالثقوب السوداء باعتبار أنها تبدو كفجوات في الفضاء، وفي 1796م أعاد بيير سيمون لابلاس هذه الفكرة إلى الأذهان، ولكن معاصريه شككوا في صحتها، ثم جاءت نظرية النسبية العامة لالبرت أنيشتاين لتبرهن على إمكانية وجود تلك الثقوب السوداء، فبدأ علماء الفلك يبحثون عن آثارها، وتم بالفعل اكتشاف أول ثقب أسود سنة 1971 م، وتحولت الآراء حول الثقب الأسود إلى حقائق مشاهدة عبر المرقاب الفلكي الراديوي الذي يتيح للراصدين مشاهدة الكون بشكل أوضح، وهكذا جعلتها نظرية النسبية حقيقة علمية مقبولة عند معظم دارسي علوم الفيزياء، والثقب الأسود إذن هو منطقة في الفضاء؛ عبارة عن كتلة كبيرة في حجم صغير تسمى الحجم الحرج بالنسبة لهذه الكتلة، حيث تبدأ المادة بالانضغاط تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، ويحدث فيها انهيار من نوع خاص، هو الانهيار بفعل الجاذبية تجعله يهوي على نفسه، وهذه القوة تضغط النجم، وتجعله صغيرًا جدًا، وذا جاذبية قوية خارقة، ويزداد تركيز الكتلة أي كثافة الجسم نتيجة تداخل جسيمات ذراته، و انعدام الفراغ البيني بين الجسيمات، وتصبح قوّة جاذبيته هائلة إلى درجة أنه لا يمكن لأي جسم يمر قريبا منه أن يفلت من جاذبيتهُ مهما بلغت سرعته، وبالتالي تزداد كمية مادته، وتتضاعف قدرته على ابتلاع المزيد، وبحسب النظرية النسبية العامة لأينشتاين، فإن الضوء ينحرف تحت تأثير الجاذبية، فيتقوس الفضاء، أما الثقب الأسود، فإنه يقوس الفضاء في منطقته إلى حد أنه يجعل شعاع الضوء المار بجانبه ينحني باتجاهه بفعل الجاذبية، ولذلك يبدو لمن يراقبه من بعيد كأنه منطقة من العدم؛ إذ لا يمكن لأي إشارة ضوئية أن تفلت من جاذبيته، فيبدو بذلك أسوداً، لكن يمكن فقط رصد المادة التي تطوى حوله قبل أن يبتلعها، وتهوي نحوه حين اقترابها من مجال جاذبية ذلك المارد الأسود.

والمتفق عليه علميا هو أن الثقوب السوداء Black Hole تمثل مرحلة الشيخوخة في حياة نجوم عملاقة أكبر من كتلة الشمس بأكثر من خمس مرات، وتتميز الثقوب السوداء بكثافة كبيرة، وجاذبية بالغة الشدة بحيث لا يفلت من أسرها شيء حتى الضوء نفسه البالغ السرعة في الفراغ)حوالي 300 ألف كم/ثانية(، ومن هنا كانت تسميتها بالثقوب السوداء التي تعكس وجود مناطق غير مرئية كالثقوب في صفحة السماء اختفى فيها كل شيء فبدت فجوا ت ، وهذه النجوم العملاقة المختفية أو المتوارية الخنس تكنس في طريقها كل شيء يقاربها حتى النجوم، ولذا سميت بالمكانس العملاقة Giant vacuum-Cleaner ، وقد دلت عليها الحسابات النظرية التي قام بها كارل شفارز تشايلد Child Karl Schwar عام 1916م وروبرت أوبنهاير  Oppenheimer Robert عام 1934م ، ومنذ عام 1971 تأكد وجودها بالمراقبة، ويعتقد العلماء بأن مركز مجرتنا )درب التبانة( على سبيل المثال هو عبارة عن ثقب أسود، ومن المعلوم حاليا أن النجوم تجري في مدارات محددة، وإن بدت للقدماء ساكنة فسموها بالنجوم الثوابت Fixed star ، وبعضها إذاً نجوم عظيمة الكتلة تتراجع في نهاية أعمارها منكمشة، وتتوارى عن الأنظار، فلا يفلت منها ضوء بسبب الجاذبية الهائلة التي تكنس كل شيء حولها، فتزداد كتلة وقوة، والمعرفة بتلك الأوصاف حديثة؛ ولذا فإن ورود أوصافها صريحًا في القرآن الكريم في معرض التأكيد على الوحي، لدليل حاسم على أنه كلام الله تعالى العليم وحده بكل سر.

وجه الإعجاز:

لقد رأينا أثناء سردنا للحقائق العلمية حول الثقوب السوداء ما يتفق مع دلالات الآيات الكريمة التي نزلت في زمن لم يكن البشر على دراية بشيء من ذلك، وإنما حصل إثبات حقيقة وجود هذه الثقوب السوداء في العقود الأخيرة، فدل ذلك على أن الذي أخبر عنها هو الله الذي خلقها و أجراها، و أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغنا هذه الآيات هو رسول رب العالمين.