الاعجاز العلمي في القرآن الكريم في عالم الأنعام


من أبحاث المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الإمارات-دبي 1425هـ -2004م

الشيخ: عبدالكريم بن حسن العثمان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على النبي الأمي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين …. وبعد :

فهذا تطواف فكر متأمل في بعض جوانب هذا الوجود الواسع المليء ، نتجلى فيه عبراً ، ونأخذ منه عضات ودروساً وجه إليها كتاب ربنا جل ثناؤه أنظار من يتلو آياته الكريمة في القران ، ويطالع صفحات هذا الوجود الناطق بوحدانية موجده ومبدعه سبحانه وتبارك أسمه .

وهذا الجانب هو طائفة من أفراد المملكة الحيوانية ذات الشعب الواسعة ، والصفوف المتنوعة ، والرتب المتميزة ، بخصائصها وفصائلها وأجناسها ، وأعني بها عالم ( الأنعام ) ، الذي أفردت سورة في القرآن الحكيم لذكر كثير من أحكامها وأصنافها ، وهي ” سورة الأنعام ”  ، وقد وردت إشارات موجزة ، وتفصيلات موسعة ، في سور أخرى لهذا العالم توميء إلى بعض نعم الخالق جل ثناؤه في هذا الجانب الضخم من جوانب الوجود الحي ، وسوف أقتصر من هذه النصوص على بعضها .

1-قوله تعالى : ( و الأنعام خلقها لكم فيها دفء  ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤف رحيم ) سورة النحل الآيات ( 5 ــ 7 )

2- (والله جعله لكم من بيوتكم سكناً وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين) سورة النحل الآية ( 80 ) ، وقال أيضاً : (نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون) سورة المؤمنون الآية ( 21 ) .

3-وقال سبحانه أيضاً : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجته في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون) سورة غافر ، الآيتان ( 79 ــــ 80 ) .

فهذه المنافع العديدة التي أشارت إليها الآيات الكريمة من إنتاج اللحوم والألبان الغذائية ، ومن استخدامها في العمل ، وفي العالم الصناعي كتصنيع الجلود والأصواف والأوبار والأشعار وغير ذلك مما جعلها علم الإنتاج الحيواني هدفاً جوهرياً له ، يعمل علماؤه جاهدين لتحقيقها وهي تطويع الأنعام وخاصة الأبقار والأغنام لقوانين الوراثة التي توصلوا إليها على أسس علمية ، بحيث تلبي هذه الحيوانات رغباتهم في تحقيق إنتاجهم بمستويات عالية كماً ونوعاً .

وسوف يكون التركيز في هذا البحث على صفة إدرار اللبن في هذه الحيوانات إن شاء الله ، وذلك لأن نصوص الكتاب العزيز قد أكدت أن عبراً هامة نستخلصها من هذه الصفة ــ أعني صفة إدرار اللبن ــ كما تضمنت بعض تلك الآيات نقاطاً للإعجاز العلمي في كتاب ربنا الخالق يفهم من صياغه ، قوله تعالى : (وأن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ) سورة النحل ، الآية ( 66 ) .

وإنما كان التركيز  على هذا الجانب من عطاءات آي الذكر الحكيم التي تحدثت عن الأنعام ، وهو جانب الإعجاز العلمي فيها من أجل أن هذا الإعجاز بذاته والتقصي لآفاقه ، وتحقيق مناطه ، وما منه هيئتنا المباركة بسبيل ، هو خير سفير لنا نحن المسلمين في عالم اليوم ، ذلك العالم الذي لم يعد يؤمن في الأغلب إلا بالمحسوس الظاهر ، والإعجاز العلمي يجعل الناس يلمسون لمساً حسياً تلك الحقائق ويتأملونها ، مما يفضي بهم إلى اليقين والإيمان .

ولقد صار من المسلمات المعاصرة أن الإعجاز العلمي قد قضت وقائعه وحقائقه على فكرة فصل الدين عن الحياة في أخص ما يزعمه أرباب هذه الفكرة ألا وهو العلم ، ولقد كان لهذا الإعجاز خاصة النصيب الأوفر في إيصال دعوة الإسلام إلى غير المسلمين ، وخاصة أن من يقوم بالبحث والتنقيب عن حقائق العلوم هم خواص الناس هؤلاء ، وعلماؤهم ومقدموهم ، وقد بادر كثير من هؤلاء الراسخين في العلوم إلى إعلان دهشتهم في مؤتمرات الإعجاز العلمي العالمية في القرآن والسنة ، وليس يخفى على ناظر أنه ليس هنالك من شيء عندنا نحن المسلمين يصلح أن نقدمه إلى الغرب والشرق من علوم العصر الحديث وتقنياته المتطورة ، وليس عندنا أيضاً من شيء يجذبهم إلينا سوى هذا الإعجاز الرائع الذي يعظم أثره ويشع ضياؤه يوما بعد يوم ، ويشتد عوده بحثا بعد بحث ، ولعل هذه الحقيقة التي صارت اليوم من بدهيات العمل الدعوي الإسلامي هي ما يجعلنا نتمسك أكثر فأكثر بهذه الوسيلة المهمة في الدعوة إلى الله .

 

البحث كاملاً