الإعجاز العلمي في قوله تعالى (فكسونا العظام لحما)


الإعجاز العلمي في قول الله تعالى

( فكسونــــــا العظـــــــــــام لحمـــــــــــــــــــاً ) (سورة المؤمنون الآية 14)

من أبحاث المؤتمر العالمي الثامن للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة الكويت 1427هـ – 2006م

إعداد : د. محمد الديب    

رئيس قسم جراحة العظام في المستشفى الأهلي – جدة

د. وائل الشيمي

رئيس قسم الفيزياء بكلية ابن سينا الأهلية للعلوم الطبية بجدة

ملخص البحث

إن معجزة القرآن الكريم المستمرة إلى يوم القيامة تتجلى في أمور كثيرة، منها الإعجاز في نظمه و بلاغته و الإعجاز في قصصه و أخباره و الإعجاز في شرائعه و أحكامه و غير ذلك كثير. نتأمل في هذا البحث في قول الله تعالى في سورة المؤمنون “فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا” آية رقم 14 ، يتميز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام و إحاطتها بها كما يحيط الكساء بلابسه. فإذا تم كساء العظام باللحم تبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال حيث ترتبط أجزاء الجسم بعلاقات أكثر تناسقا. و عند تمام تكوين العضلات يمكن أن يبدأ الجنين بالتحرك، كما يظهر أثر كساء العظام باللحم على الشكل الخارجي و بالتالي تتمايز هذه المرحلة عما قبلها في الشكل الخارجي و الداخلي معا.ومن أقوال علماء اللغة العربية في معجم لسان العرب و في مختار الصحاح ، الكساء:الكسوة: اللباس، و يقال كسوت فلانا إي ألبسته ثوبا أو ثيابا فاكتسى و يقال:اكتست الأرض بالنبات إذا تغطت. العظم: عظم الشيء أي كبر فهو عظيم و عظمه إي فخمه و العظمة الكبرياء.

ومن أقوال المفسرين في الكتب الدينية والعلمية: جاء في تفسير السعدي: أي جعلنا اللحم كسوة للعظام، كما جعلنا العظام عمادا للحم. و جاء في تفسير البغوي: “فكسونا” أي ألبسنا و في تفسير الطبري: إي فألبسنا العظام لحما و في تفسير ابن كثير إي جعلنا على ذلك ما يستره و يشده و يقويه، وأن اللحم يعتبر، من العظام، بمقام الثوب فهو يستر العظام و يشدها و يقويها.  وسنتناول في هذا البحث النقاط التالية: أولا: الإثبات العلمي أن العظام تتخلق قبل العضلات . ثانيا: التركيب التشريحي لكسوة العظام ، ثالثا: التركيب النسيجي لكسوة العظام ، رابعا: فسيولوجيا الانقباض ووظيفة العضلات وعلاقتها بالعظام  ، خامساً: أهمية كسوة العظام باللحم ووظائفها داخل الرحم. سادساً: دور كسوة العضلات لتقوية العظام .  سابعا: دور كسوة العضلات حول العمود الفقري  ثامنا:دور كسوة العظام في الميكانيكا الحيوية للمفاصل والعظامBiomechanics ، تاسعاً: دور كسوة العضلات لعظام الوجه في التعبيرات الوجهية. ومن الإثبات العلمي أن العظام تتخلق قبل العضلات أن :  [1] اللحم ينشأ من القسم الأعلى للكتل البدنية بينما ينشأ العظم من القسمين البطني والأوسط(القسم الأسفل للكتل البدنية) . [2] مراحل تكوين العمود الفقري:  [3] تكون الأطراف، [4] إثبات دراسات علوم التشريح والأنسجة واستخدام الميكروسكوب الضوئي والالكتروني، [5] التصوير الطبي،  [6] بداية التعظيم التي تحدث في عظمة الترقوة. و من أوجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة 1- كان القرآن الكريم سباقا في تقرير سبق تكون العظام في جنين الإنسان عن اللحم قبل ألف و أربعمائة عام و ليس العكس كما توهمه الأقدمون. 2- وصف القرآن العظيم هذه الأطوار وصفا دقيقا تفصيليا بشمول و كمال معجز، فتجده يستخدم حرف العطف ” ف ” في التطورات السريعة المتلاحقة كما في الآية ” فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا”، و يستخدم حرف العطف “ثم” لوصف التغيرات التي تأخذ زمنا أطول نسبيا .3- اختار الله في كتابه المبين لفظ في غاية الإعجاز اللغوي، كلمة “فكسونا” و هي تفيد الترتيب الدقيق للطبقات من أنسجة تغلف العظام و عضلات تغطي الأنسجة و جلد يغطي العضلات بل و التنوع في ألياف العضلات؛ أشكالها و اتجاهاتها و أحجامها و طريقة الاتصال بين اللحم و العظام حتى يناسب كل وظيفته . 4- لفت القرآن الكريم النظر، في هذه الآية الكريمة، إلى العلاقة الوثيقة بين العظام و العضلات قبل ألف و أربعة عام. و جاءت كلمتا “العظام” و “لحما” في الآية الكريمة متتاليتان لا يفصل بينهما فاصل ربما لشدة الارتباط بينهما بنائيا و فسيولوجيا. 5- إن الارتباط الوثيق الذي تشير إليه الآية الكريمة بين العظام و اللحم يعد لافتا إلى و سائل التحام العضلات بالعظام من أوتار و ألياف دقيقة جدا تمر عبر السمحاق إلى أجزاء العظام الداخلية فتربط العظام باللحم الذي يكسوها في تنوع دقيق و اتصال وثيق و صناعة ربانية مبدعة. 6- أشارت الآية الكريمة في موضعها إلى طور مهم من أطوار الجنين داخل الرحم، طور كسوة العظام باللحم، والذي يأتي قبل طور النشأة الذي هو طور الاستقامة و الاعتدال فكان تمهيدا أساسيا له، قال تعالى “الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ” (الانفطار 7)، فلفت ذلك الألباب إلى التدبر في لزوم أن تكتسي العظام باللحم من أجل اعتدال شكل الجنين و تميز البناء الإنساني لديه7- و من الإعجاز البياني أن المتأمل في الآية الكريمة يجد أن من العظام التي تكسى، عظام الوجه، و ما لهذه العضلات من فوائد، كظهور ملامح الجنين و كيف أن العلم الحديث أصبح يستخدم التغيرات في هذه الملامح لتشخيص حالة الجنين من الحزن و الفرح و الرضا و الغضب لجنين وهو ما أثبتته للأشعة الرباعية الحديثة.  8- أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى ما تمثله عظام الوجه المكسوة باللحم من دلائل على مكنون النفس عبر شكلها و ملامحها بحيث يصبح الوجه مرآة حقيقية للنفس، قال تعالى “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ” (الغاشية 2 ) و قال سبحانه ” يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأأَقْدَامِ” (الرحمن 41). و صدق الله تعالى إذ يقول في كتابه الكريم ” وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ” الذاريات (20-21).

 

البحث كاملاً