الإعجاز الطبي في القرآن والسنة


الإعجاز الطبي في القرآن والسنة

لنبسط الكلام عن الإعجاز الطبي من خلال حديثنا عن نصوص عديدة اشتملت على نماذج من الإعجاز في القرآن والسنة، حيث ورد فيها الإرشاد إلى تناول العسل للاستشفاء به، وكذلك الحبة السوداء، وغير ذلك مما قامت به شواهد باهرة، ونحن هنا سوف نذكر ما يوضح ذلك الإعجاز الطبي بجوهرة، حيث إن ورود أمر من الأمور التي شهد العلم الحديث بأنه يمثل حقيقة علمية مستقرة في مجال الطب، وتطابق مع ما قد أرشد إليه القرآن الكريم والسنة المطهرة، هو جوهر الإعجاز العلمي، لأن ذلك كان منذ أربعة عشر قرناً، حيث كان البشر على جهالة تامة بتلك الحقيقة، فمن هذه الحقائق الطبية ما يلي:

الأصل الأول: وضع النبي صلى الله عليه وسلم قواعد علاجية تعتبر أصلاً من أصول العلاج السليم سيق به الإسلام كل القواعد العلاجية الحديثة. فمن ذلك ما أرشد إليه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في العلاج: هو الأمر بالتداوي والحث عليه.  

عن أسامة بن شريك قال: (شهدت الأعراب يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أعلينا حرج في كذا؟ …. أعلينا حرج في كذا؟. فقالوا يا رسول الله: هل علينا حرج أن لا نتداوى؟ قال تداووا عباد الله فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء الإ الهرم) رواه الأربعة، وهذا اللفظ لابن ماجه.

وقوله صلى الله عليه وسلم (أن لكل داء دواء) يدل على أنه لا توجد أمراض ليس لها علاج في المفهوم الإسلامي، فعلى الطبيب أن يبحث ويجد في البحث، حتى يصل للدواء. وهو ما أكده حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله) رواه مسلم.

الأصل الثاني : إيجاب تحصيل العلم بالطب لأجل ممارسة التطبيب، وجعل ذلك شرطاً في التعرض لعلاج الناس بأي وسيلة علاجية، وفيما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن تطبب ولا يعلم منه طب، فهو ضامن). رواه أبو داود.

وعن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك، فأعنت، فهو ضامن).

الأصل الثالث: إرشاده لطلب العلاج من الذين هم مظنة الخبرة والفطنة، وذلك لأنه يوجد تنوع في للوسائل العلاجية للأمراض، وأحياناً للمرض الواحد، ولا يعلمها إلا متخصص دقيق، لذا يجب أن يتحلى المعالج بالأمانة العلمية، فالحالات التي لا يعرف علاجا لها أو يعرف أن غيره أعرف منه بطرق المعالجة يجب عليه أن يحيلها لمن هو أقدر منه.

عن جابر قال : (بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أُبيٍّ طبيبا ً ، فقطع منه عرقا ً ، ثم كواه) رواه مسلم. ومن هذا القبيل أمره لأحد الصحابة بأن يأتي الحارث بن قلده لكونه خبيراً بالطب.

الأصل الرابع: إرشاده لمبدأ الوقاية من أسباب المرض، حيث أن الأمراض لها مسببات قد تكون مادية في صورة كائنات دقيقة أو جزيئات سمية أو مسببات نفسية في صورة إضطرابات انفعالية ينتج عنها خلل في المنظومة الهرمونية والجهاز المناعي. لذلك أمر نبي  الإسلام بالتوقي منها في أحاديث عديدة. ومن نهيه عن الهروب من الطاعون، ونهيه عن القدوم للأرض الموبوءة، وكذلك نهيه عن إيراد المصح على الممرض، وفي كل تلك الأمثلة نجد أنه صلى الله عليه وسلك قد أرسى مبدأ الحجر الصحي، كما أرسى أصول العلاج فأعطى كل وسيلة علاجية وصفا دقيقاً لدورها في العلاج، فوصف الحجامة في مجموع الأحاديث المنقولة عنه عليه الصلاة والسلام بأن فيها شفاء كما في حديث البخاري : (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية : (وأنهى أمتي عن الكي) رواه البخاري، و أخبر عليه الصلاة والسلام في قوله: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة أو هو من أمثل دوائكم) رواه البخاري ومسلم، وذكر أن في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام،  وذكر الله سبحانه في القرآن أن في العسل ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ﴾ (النحل: 69 ).

قال بن حجر العسقلاني: (ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج). وقد ثبت هذا الشفاء بالأبحاث وبإنشاء المراكز الطبية التي تعالج بالحجامة والعسل والحبة السوداء وغيرها.

الأصل الخامس: التحذير من تعاطي أنواع من المواد التي تسبب مضاعفات وأخطار في وقت كان ينظر إلى تلك المواد بأنها مفيدة وشافية خطأ! ويذكر الدكتور علي البار في كتابه “هل هناك طب نبوي” في سياق ذكر الرد على كتاب كوبلي “أسرار الطب العربي القديم والحديث” والذي في يدعو إلى استخدام السبرتو، ودهن الخنزير، ولحم الهر، لمعالجة كثير من الأمراض.. وللأسف فإن كوبلي هذا لم يكن سوى خوري في كنيسة صغيرة في لبنان، ولم يدرس الطب في حياته، ومع هذا فقد عمل كطبيب وقتل مئات الأشخاص بوصفاته الطبية الرهيبة.  

أصل نبي الإسلام هذه الخيارات، ووضع هذه الأسس والقواعد العلاجية في زمن كان الاعتقاد السائد فيه أن الأمراض تسببها الأرواح الشريرة والشياطين والنجوم، وكانوا يطلبون لها العلاج بالشعوذة والخرافات. ومنع نبي الإسلام كل الممارسات العلاجية المبنية على هذه الاعتقادات الخاطئة فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير والتمائم والسحر والخرافة، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الرقي والتمائم والتولة شرك) رواه أبو داود، وقال أيضاً : (من آتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) رواه الترمذي.

وجه الإعجاز:

لقد رأى الناس تحقق مضمون تلك الأحوال كلها، وذلك من خلال اكتشاف الآلاف المؤلفة من الأشفية لمختلف الأمراض، فكان ذلك مطابقاً للحديث الشريف، وإقرار مبدأ الحجر الصحي، واعتماد أسلوب الامتحانات لطلاب الطب لتميز من يصلح لهذه المهنة ممن لا يصلح، وهكذا ثبوت ضرر ما كان يظن فيه الشفاء كالخمر. 

وهذا ما تقرره الحقائق منذ أربعة عشر قرناً من غير أن يمتلك الأجهزة المتقدمة في الفحص والعلاج وفي بيئة يغلب عليها السلوك الخاطئ في العلاج لا يمكن إلا أن يكون موصولاً بالوحي الإلهي قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ النجم: 3, ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾النجم: 4, ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾النجم: 5.