الإعجاز التشريعي في الطلاق

من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا 1432هـ – 2011م

أ.د محمد نبيل غنايم

أستاذ الشريعة الإسلامية

بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة

عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

ملخص البحث

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه

وبعد ،،،

فهذا البحث يكشف عن جوانب الإعجاز في تشريع الطلاق من خلال آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال الأئمة الفقهاء لبيان وتصحيح ما يدعيه أو يظنه بعض الناس من المسلمين وغير المسلمين من أن تشريع الطلاق شر وظلم للمرأة والأسرة والمجتمع والحقيقة أنه خير وصلاح لجميع الأطراف لأنه تشريع الحكيم الخبير سبحانه وتعالى الذي لا يشرع إلا الخير ولا يدعو إلا إلى الرحمة والمصلحة للجميع في كل البيئات وفي جميع الأحوال ، ويلبي احتياجات جميع الأطراف ويلائم الفطرة السليمة بما يرفع الحرج عنهم ويزيل المشقة من حياتهم ، ولولاه لوقع الناس في حرج عظيم ومشقة بالغة ، وليس ذلك دعوة للطلاق وإذناً فيه ، ولكنه بيان وتوضيح لعظمة التشريع الإسلامي في موضوع تشريع الطلاق وتصحيح لما فهمه أو ظنه بعض الناس من التعسف في أحكام التشريع وتعميم الحكم في جميع الأحوال والحق أنه للضرورة ورفع الحرج في بعض الأحوال ويتبين الإعجاز التشريعي في الطلاق في النقاط التالية:

أولاً :

أن الإسلام جعله على مرات متفرقة ولم يجعله دفعة واحدة حتى يتسنى لكل طرف أن يراجع نفسه وأن يصحح خطأه وأن يندم على ما فعل فتتحقق العبرة والفائدة وتكون الثمرة المرجوة ، قال تعالى : “الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” ، فأتاح للطرفين فرصتين للانفصال والمراجعة للنظر في العلاقة ونتائجها ثم ليكون الاختيار الصحيح بين الاستمرار بالمعروف، أو الانفصال بالإحسان وهنا يظهر الإعجاز حيث لم يجعل التشريع الطلاق هدفاً في ذاته أو تشريعاً بلا هدف أو تبعاً للهوى وإنما جعله دواء مراً للإصلاح والشفاء فإن لم يثمر الدواء ويتحقق الشفاء فلنبحث عن دواء آخر قد يكون البتر والفراق ولكن بإحسان ودون ظلم أو عدوان وذلك أولى من انتشار المرض في جميع الأعضاء وهي العلاقة الزوجية .

ثانياً :

في استخدام القرآن للفظ الطلاق إعجاز لغوي وإعجاز تشريعي ، أما اللغوي فلأن هذا اللفظ دون غيره هو الدال على تمام الانفصال ورفع قيد الزوجية ، وأما التشريعي فلأنه اللفظ الصريح الذي لا يحتاج إلى نية أما غيره من نفس المادة فيحتاج إلى نية ، ويلحق بالصريح الفراق والسراح ، كما أنه اللفظ الذي ينهي العلاقة مؤقتاً في المرتين الأولى والثانية أما الفسخ والايلاء والظهار والخلع فينهيها بلا رجعة .

ثالثاً :

أثبتت التجارب أنه لابد أن يكون إلى الفرقة سبيل حيث الطباع متنافرة فإن لم يوجد سبيل مشروع للفرقة ظهرت سبل أخرى خطيرة كالخيانة والقتل فكان الطلاق بالمعروف أخف الأساليب والوسائل للتفريق بين المتنافرين بإحسان وعدل ، وهذا ما قرره بنتام في كتابه أصول الشرائع حين قال : “لو كان الموت وحده هو المخلص من الزواج لتنوعت صنوف القتل واتسعت مذهبه” ، ومن هنا اعترفت بلاد كثيرة بالطلاق بعد أن كانت ترفضه ، وهذا دليل على أن الإسلام بتشريع الطلاق سبق الآخرين وهذه صورة من صور الإعجاز كما ظهر من قبل في النطفة الأمشاج ومراحل الجنين .

رابعاً :

ومن صور الإعجاز في تشريع الطلاق ما وضعه الإسلام قبل ذلك من تدابير في الزواج ليقلل من وقوع الطلاق كالخطبة والعقد والحقوق الزوجية وإشاعة السكينة والمودة والرحمة وسيادة روح العفو والتسامح ، وحتى إذا وقعت الطلقة الأولى فلتبق الزوجة في بيت الزوجية كأن شيئاً لم يكن ولم يدر بذلك أحد “لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة” .

خامساً :

وإذا وقعت الطلقة الأولى فالزوج مندوب إلى المراجعة وهذا حقه لا ينازعه فيه أحد وتتم المراجعة بالكلمة أو بالفعل وكأن شيئاً لم يكن ، “وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهن مثل الذي عليهم بالمعروف وللرجال عليهن درجة” .

سادساً :

ومن صور الإعجاز في تشريع الطلاق في الإسلام أنه وسط بين الشرائع فلا هو مطلق كاليهودية ولا ممنوع كالمسيحية .

سابعاً :

ومن وجوه الإعجاز أن التشريع الإسلامي جعل الطلاق من حق الرجل وحده لأنه أحرص على بقاء الزوجية حيث أنفق في سبيلها من المال ما يحتاج إلى إنفاق مثله أو أكثر إذا طلق وأراد زواجاً آخر حيث سيتحمل أعباء الزواج الأول والطلاق وآثاره ثم أعباء إنشاء الزواج الثاني ، فهو بمقتضى عقله ومزاجه يكون أصبر على ما يكن من المرأة فلا يسرع إلى الطلاق ، والمرأة أسرع من الرجل غضباً وأقل احتمالاً وليس عليها من تبعات الطلاق ونفقات البيت والزواج مثل ما عليه فهي أسرع إلى حل عقدة الزوجية لأدنى الأسباب والدليل على صحة ذلك أن الإفرنج لما جعلوا طلب الطلاق حقاً للرجال والنساء على السواء كثر الطلاق عندهم فصار أضعاف ما عند المسلمين ، ومن جمال التشريع الإسلامي أنه أعطى المرأة حقاً آخر في مقابل ذلك وهو الخلع إذ1ا أرادت أو الطلاق عن طريق القضاء .

ثامناً :

ومن صور الإعجاز أنه لا يقع من أي رجل وفي أي حال وبأي لفظ وعلى أي امرأة وإنما قيده التشريع بصور وضوابط صارمة إذا طبقت كان قليلاً أو نادراً أو لغوا لا أثر له ، وهناك الطلاق السني والبدعي والصريح والكناية ، والرجعي والبائن .

تاسعاً :

ومن وجوه الإعجاز التشريعي في الطلاق عن طريق القضاء رفع الظلم عن المرأة وإنقاذها من الضرر في حالات عجز الرجل أو غيبته أو سجنه أو تعسفه وسوء عشرته أو فقره وإنما كان ذلك صيانة للمرأة وحماية لها .

عاشراً :

ومن وجوه الإعجاز التشريعي أن حكم التكليف ليس واحداً للجميع بل يتراوح بين الأحكام التكليفية الخمسة ، فالأصل فيه التحريم ولكنه قد يباح وقد يستحب وقد يجب وقد يكره ، وهذا التنوع دليل اليسر وملائمة الأحوال والظروف.

حادي عشر :

ومن صور الإعجاز التشريعي في الطلاق أنه يحمي المرأة بعد طلاقها بالنفقة والمتعة ومؤخر الصداق وحضانة الأولاد والإنفاق عليهم وأجرة الحضانة وما ذاك إلا ليحافظ للمرأة على كرامتها ومشاعرها .

ثاني عشر :

وأهم من ذلك كله كفالة الله عز وجل ورعايته للمطلقين رجالاً ونساء بالعوض الطيب والخير الواسع ماداما مظلومين ، قال تعالى : “وإن يتفرقا يعن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً” .

وصلى الله على سيدنا محمد ، والحمد لله رب العالمين ،،

 

البحث كاملاً