أوتـاد الأرض


أوتـــاد الأرض

قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾النبأ: 6 ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾النبأ: 7

وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾نوح: 19 ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾نوح: 20.

الدلالة النصية:

في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾النبأ: 6 ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا﴾النبأ: 7، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا﴾نوح: 19 ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا﴾نوح: 20، يمكن حمل لفظمهادولفظبساطعلى التمثيل للسطح الصخري المميز بالجبال بمهاد الصبي أو البساط المفروش بجامع الحماية من الأخطار دونه ، وتمثيل الجبال الأوتاد بجامع التثبيت والامتداد نحو العمق كجذر مغروس عميقا، والتشبيه بمهاد الصبي والبساط قرينة تؤيد دلالة لفظالأرضعلى الألواح القارية التي تشكل سطح الأرض، وتحمينا من خطر دوامات الباطن الملتهب : تماما كما تحمي مهاد الصبي مما هو دونه من أخطار .

الحقيقة العلمية:

من الثابت حاليًا أن لكل جبل جذر Root يمتد نحو الباطن أكثر من ارتفاعه ؛ وكلما زاد الارتفاع زاد امتداد الجذر عمقًا, ولم يكن أحد قبل القرن التاسع عشر يعرف شيئا عن تلك الحقيقة, ففي عام 1749 م لاحظ بيير بوجير أن قوة الجذب المقيسة بميل البندول في جبال الإنديز أقل من المتوقع قياسا على الكتلة المقدرة فوق مستوى سطح البحر مما يدفع للافتراض بوجود كتلة أكرب في الأسفل، و أكدت القياسات التي أجرتها بعثة إنجليزية بقيادة جورج إفرست في جبال الهيميلايا في بداية القرن التاسع عشر بالهند نفس النتيجة؛ حيث دلت القياسات على وجود قوة جذب أكبر من المفترض بحوالي الثلثين لم يعرف سببها على وجه القطع؛ ولذا سميت الظاهرة لغز الهند Puzzle of India , وفي عام 1855 م قدّم أيري Airy  الأساس للتفسير الحالي حيث استبعد أن تكون الجبال مثبتة على قشرة صلبة تحتها؛ و إنما تطفو كالسفن في بحر من الصخور اللينة الحارة الأعلى كثافة, ولذا فهي تتبع قانون الكثافة حيث تمتد عميقا في باطن الغلاف الصخري حتى تستقر, الدور الرئيسي الذي تؤديه الجبال إذن هو تثبيت ألواح الغلاف الصخري لا كوكب الأرض؛ وهو ما أشار إليه القرآن الكريم, والمعلوم أن لفظ الأرض في العربية وغيرها يأتي بدلالات متباينة يحددها السياق، كالكوكب والتربة والقطر، وقد يعني السطح الصخري المميز بالجبال؛ وهو المعنى الوحيد الذي يستقيم مع جعل الجبال أوتادا تثبت الأرض بمعنى السطح تحتنا لا الكوكب.

وجه الإعجاز :

والدلالة في حديث القرآن عن الظواهر الكونية لا ترد شاردة في يسهل للطاعن حملها على معنى يتعارض مع العلم؛ ولكنها تردد ضمن منظومة متكاملة مترابطة الأجزاء يفسر بعضها بعضًا تؤكد القصد في التعبير, وفي قوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ))الملك(؛ دلالة تستقيم مع المعلوم حاليا بأن القشرة الصلبة المعبر عنها بلفظ)الأرض)  دونها دوامات وتيارات عاتية ملتهبة إلى حد إسالة الصخور، وأمام تلك الروائع في كشف المجهول في تكامل بلا تعارض قبل أن ترددها الكشوف العلمية اليوم على المسامع لا يملك المُنصف إلا الإقرار بالوحي للقرآن الكريم.