ألم الأمعاء


ألم الأمعاء

قال تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾محمد: 15.

الدلالة النصية:

عدل القرآن الكريم في مقام التعبير عنه غاية الإيلام في حالة الأمعاء عن ألفاظ الشدة، وغير ذلك إلى ذكر ما يحصل من تقطيعها بالماء المغلي، قال القرطبي: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا﴾ أي حاراً شديد الغليان.. إذا شربوه قطع أمعاءهم”. فكان في ذلك إشارة قرآنية إلى أن أكثر أعضاء الجسم غنى بمستقبلات الألم هو الجلد، وأن الحروق هي أشد المنبهات الأليمة، قال تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾، عدل عن لفظ (التبديل) إلى (التقطيع) في التعبير: ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾.

الحقيقة العلمية:

كشف علم التشريح النسيجي حديثاً أن جدار الأمعاء يتكون من طبقات: الطبقة الداخلية وتسمى بالطبقة المخاطية، والطبقة العضلية الوسطى، والطبقة الخارجية المحاطة بطبقة الصفاق أو الغشاء البريتوني Peritoneum، وبينهما منطقة غنية بالأعصاب تسمى بالمساريقا Mesentery، ونجد أن هذا الإبداع في التكوين جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات التي يمكن أن تسبب الألم، وإذا تقطعت الأمعاء وبلغت المؤثرات منطقة المساريقا شعر الإنسان بغاية الألم، فتأمل لماذا استخدم القرآن في حالة الأمعاء وفي مقام بيان غاية الإيلام هذا التعبير المعجز: ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾، وهذا يتوافق مع كون الأمعاء خالية من الأعصاب الحسية فإذا أدخلنا منظارا داخل الجهاز الهضمي لا يشعر الإنسان  بأي ألم إلا في منطقة البلعوم أثناء دخول المنظار، ولكن المريض يشعر بالألم عندما تصبح عنده ثقوب في الأمعاء كقرحة منثقبة، وفي القرآن قال تعالى: ﴿فَقَطَّعَ﴾، فيجب إذن أن ننتبه إلى هذا التعبير الدقيق البليغ، في الجلد قال: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ﴾، وفي الأمعاء قال: ﴿فَقَطَّعَ﴾ لأن الأمعاء خالية من الإحساس والأعصاب موجودة في الغشاء البريتوني، فعندما يحدث ثقب في الأمعاء يحصل الألم الشديد، ولذلك يعاني المريض الذي يُصاب بانثقاب في الجهاز الهضمي من ألم شديد، وهي حالة جراحية طارئة يجب أن تجرى له عملية فورية لأن محتويات الأمعاء خرجت إلى الغشاء البريتوني وتكثر حوله النهايات العصبية الناقلة للألم، فيشعر بألم شديد، ونعلم حاليا أن الإنسان عندما يتعرض لألم شديد قد يفقد الوعي كوسيلة للدفاع عن النفس، لكن التعبير في القرآن قد احتاط وقطع عليهم هذه المنة في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾فاطر: 36، فيبقوا في حالة عذاب مستمر؛ لا هم بالأحياء ولا هم بالأموات مبالغة في الإيلام.

وجه الإعجاز:

 وهكذا بين القرآن الكريم أن الأمعاء لها طبيعة خاصة في استقبال الألم، وقد اتضح السر أخيراً لدى تقطيعها، وملاحظة شعورها بأشد الألم، واكتشاف أن ما يحيط بها من الخارج غني بالمستقبلات للألم مما يسبب تعرضها للحميم تقطيعها، وبلوغها أعلى درجات الألم، وما كان بوسع بشر قبل اختراع المجهر وتقدم علم التشريح أن يعرف هذه الحقائق مما يؤكد أن القرآن الكريم كلام الخالق.