أطوار خلق الجنين في القرآن الكريم


أطوار خلق الجنين في القرآن الكريم

قال الله تعالى :) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( [ المؤمنون : 12- 14]، فهذه الآية دلالة واضحة على أن الإنسان يخلق في أطوار، ويؤكد ذلك قوله تعالى : ) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ( [نوح :14]، و قوله تعالى: ) يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ( [ الزمر: 6 ].

الدلالة النصية:

الدلالة في آية سورة المؤمنون أن الإنسان في بطن أمه يمر بأطوار عدة، ،ومع تدبرنا في قوله تعالى : )وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ( [نوح :14]، تصبح تلك الدلالة مؤكدة، خاصةً بعد انضمام ما ذكره الله لنا في قوله تعالى: ) يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ (.

ومن هذه الأطوار التي وردت في سورة المؤمنون صريحة: طور النطفة وطور العلقة وطور المضغة وطور خلق العظام ثم طور خلق اللحم، وهكذا النشأة المتميزة.

الحقيقة العلمية:

اتفقت المصادر العلمية على أن خلق الإنسان على مستوى الجينات مقدر مرسوم، وأنه على مستوى الخلايا والأنسجة متطور عبر أطوار متعددة حددها بعضهم: يطور النطفة الأمشاج (المشيج) Fertilized ovum، ثم طور الحميل Fmbryo، ثم طور الجنين Fetus، (وهذا هو تقسيم ليزلي أرى وجان لانجمان)، وقسمها هاميلتن وبويد وموسمان إلى مرحلة النطفة Fertilized ovum، ثم مرحلة العلوق Implantation، ثم مرحلة الحميل ذي الكتل البدنية (المضغة)، ثم بعد ذلك مرحلة التخلق أو مرحلة تكوين الأعضاء Organo genesis، ثم تدلف بعد ذلك بنهاية الأسبوع الثامن إلى مرحلة الجنين Fetus، حيث يكون الجنين قد شكل بشكله الإنساني، وتكونت معظم الأعضاء والأجهزة بصورتها الشبيهة بما هي عليه عند المولود.

ولا يبقى في مرحلة الجنين Fetus – وهي من نهاية الأسبوع الثامن إلى الولادة – إلا نمو الأجهزة وتكاملها وأخذها الشكل النهائي … وهي في الواقع مرحلة نمو أكثر منها مرحلة خلق جديد.

ولا شك أن التخليق يستمر حتى بعد الولادة ولكنه تخليق محدود جداً، وكذلك التخليق في مرحلة الجنين Fetus محدود جداً، وأهم ما يميز هذه المرحلة هو النمو والتكامل للأجهزة والأعضاء، بينما كانت المرحلة السابقة والتي تنتهي بنهاية الأسبوع الثامن، وتبدأ من بداية الأسبوع الرابع هي مرحلة تكوين الأعضاء والأجهزة، وتكوين الجهاز الهيكلي، وتكوين الجهاز العضلي، وشق السمع والبصر، وتكوين الجلد واللحم والعظم.

وجه الإعجاز:

 بينما كان الناس في زمن النبوة  وبعده بأكثر من عشرة قرون ، يعتقدون أن الإنسان يخلق كقزم كامل من دم الحيض ، أو داخل البويضة ،أو في رأس الحيوان المنوي بعد اكتشافهما في القرن السابع عشر والثامن عشر ، حيث ثبت بطلان تلك الأوهام على يد العالم سبالا نزالى عام 1775 م ، الذي أثبت أن الإنسان يخلق من كل من الحيوان المنوي والبويضة، وهو عين ما أخبر به النبي  صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود ، قال : » مر يهودي برسول الله_ صلي الله عليه وسلم _ وهو يحدث أصحابه، فقالت قريش : يا يهودي، إن هذا يزعم أنه نبي، فقال : لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي، قال : فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد، مم يخلق الإنسان ؟ قال : يا يهودي، من كلٍ يخلق ، من نطقة الرجل ومن نطفة المرأة ، فأما نطفة الرجل فنطفة غليظة منها العظم والعصب ، وأما نطفة المرأة فنطفة رقيقة منها اللحم والدم ، فقال اليهودي : هكذا كان يقول من قبلك«، قال مخرجوا المسند رقم (4438): (إسناده ضعيف، لضعف حسين ابن الحسن، وهو الأشقر وعطاء ابن السائب اختلط بآخره … قال السندي: ظاهر القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾المؤمنون: 14، يدل على أن مجموع النطفتين يعين عظاماً، والله تعالى أعلم)

لكن جاء في صحيح مسلم (315) بلفظ: (قال: جئت أسألك عن الولد؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: مار الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا ماء الرجل ماء المرأة، أذكرا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل، أنثا بإذن الله…)

وقال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ قال ابن عباس: (ماء المرأة وماء الرجل يمشجان، وفي رواية يختلطان)، وهكذا قال عكرمة، ومجاهد والحسن، والربيع بن أنس: (الأمشاج هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة)  

ومن هنا يقول البروفيسور جولي سمسون: “أنه لا يوجد خلاف بين المعرفة العلمية وبين الوحي، بل إن الوحي ليدعم أساليب الكشف العلمية التقليدية المعروفة حينئذٍ”، وجاء القرآن الكريم قبل عدة قرون مؤيداً لما تطرقنا إليه، مما يدل على أن القرآن الكريم هو كلام الله.