أشد الرجم النيزكي وقت الصبح


أشد الرجم النيزكي وقت الصبح

 

 قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ. فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾ هود: 81-83، وقال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ﴾ الحجر: 66، وقال تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ. فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ الحجر: 73و74، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ. نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ. وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ. وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ. فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ القمر: 34-39.

 

الدلالة النصية:

يفيدنا تكرار ذكر الصبح في إيقاع العقوبة في هذه النصوص الكريمة أن لهذا الوقت مزية في كون النكال أشد وأقوى.

 

الحقيقة العلمية:

تختلف الشهب عن النيازك في أن الشهب ترى محترقة، وهي كثيرة ولا يصل منها إلى سطح الأرض سوى رماد لا ندرك أثره، في حين أن النيازك أكبر حجماً من الشهب، وتتميز بأنها تصل الأرض، فتحدث في بعض الأحوال أثراً مدمرا، لكن عددها قليل، وهي نادرة السقوط؛ وذلك رحمة من الله تعالى بعباده؛ إضافة إلى ذلك، فهناك ما يعرف بزخات الشهب، وهي أسراب من الشهب تدخل الغلاف الجوي في مواعيد محددة من السنة وبأعداد كبيرة، وسببها تقاطع مدار الأرض أثناء دورانها حول الشمس مع مدار بقايا أحد المذنبات التي كانت قد زارت الشمس، ثم ولت قافلة إلى مدارها البعيد تاركة كثيراً من المخلفات الغبارية والترابية خلفها تدور في نفس مدار المذنب، فإذا ما حدث التقاطع دخلت هذه الأتربة في غلافنا الجوي بشكل زخات شهب تبدو للناظر، وكأنها تأتي جميعاً من موقع واحد كبرج الدلو، فتسمى باسمه (شهب الدلويات)، أو برج الأسد (شهب الأسديات)، ويقوم الفلكيون في هذه المناسبات برصد هذه الزخات من الشهب، ويلاحظ أن ذروة الزخة والعدد الأكبر من الشهب الذي يدخل الغلاف الجوي يحدث صباحاً، وبالأخص وقت الفجر، والسبب في ذلك أن وقت الصبح يمثل مقدمة الأرض وهي تدور حول الشمس، أما وقت غروب الشمس فيمثل مؤخرة الكرة الأرضية، فإن سقطت النيازك على الأرض وقت الصبح فإنها ستواجه الأرض وهي تقابلها وجهاً لوجه وستكون شدة الارتطام وعنف التصادم بينهما أبلغ ما يكون؛ حيث تضاف سرعة النيزك إلى سرعة الأرض بخلاف الحال عند مؤخرتها.

والمذنبات أجرام تنتمي إلى مجموعتنا الشمسية، وهي تدور في مدارات شديدة الاستطالة حيث تقترب كثيرا من الشمس، وتبتعد في المقابل بعيدا، وغالبا لا تدور في نفس المستوى الذي تدور فيه الكواكب حول الشمس، إنما مائلة عنه ميلاً كبيراً، ولذا هي تحيط بالمجموعة الشمسية، من كل جانب، وتأتي المذنبات من سحابة تحيط بالمجموعة الشمسية وتبعد عنها في حدود يوم ضوئي، وهي هالة كروية تدعى سحابة أورت Oort Cloud، حيث يمتد منها إلى الداخل حزام يدعى حزام كويبر. وتحتشد فيهما المليارات من القطع الثلجية والصخرية التي تمثل مخزونا يهدد الأرض.

وقد وقعت عدة لقاءات بين مركبات فضاء ومذنبات تم فيها تصوير الأنوية، والقيام بعدد من الاختبارات، فقد اقتربت مثلا مركبة الفضاء جيوتو مع مذنب هالي عام 1986، واقتربت مركبة الفضاء ديب سبيس مع مذنب بوريللي عام 2001، واقتربت مركبة الفضاء ستاردست مع مذنب وايلد عام 2004، وفي يوليو عام 2005 حملت مركبة الفضاء ديب إمباكت على متنها مسباراً نحاسياً قذفته باتجاه مذنب تمبل بسرعة بلغت 37 ألف كيلومتراً في الساعة، فأطلق كميات كبيرة من الغازات التي شكلت ذيلاً وراءه مباشرة، وقامت كذلك بتصوير نواة المذنب، ورصدت العديد من الحفر والفوهات على سطحه، وسبب اتجاه ذيله خلفه هو الرياح الشمسية التي تطرد مكونات الذيل بالاتجاه المعاكس.

 ويعود أصل النيازك إلى حزام الكويكبات بين المريخ والمشتري، وفي أول الليل تكون أعداد الشهب كبيرة نسبياً، بحدود 100-150 شهاباً في الساعة، بيد أنه ومع اقتراب وقت الفجر تتضاعف هذه الأعداد، فقد يدخل الغلاف الجوي منها بين 3-6 شهب في الثانية الواحدة، وفي ساعة الفجر يمكن أن يصل العدد إلى أكثر من 1700 شهابً، والناس وقت الفجر يكونون في مقدمة الكرة الأرضية أثناء دورانها حول الشمس، مما يجعل سرعتها حول نفسها تضاف إلى سرعتها حول الشمس بالإضافة إلى سرعة الرجم النيزكي، فيكون التصادم بينها وبين الجرم الساقط على أشده.

والدمار الذي تحدثه النيازك أصبح من بدهيات العلوم الحديثة، ويعتقد حاليا أن نيزكا أو قطعة مذنية كبيرة قد اصطدمت بالأرض منذ حوالي 65 مليون سنة، فدمر فأفنى الديناصورات ودمر معظم أشكال الحياة على البسيطة وفي البحار؛ والتي أحصاها البعض اعتمادا على الحفريات بحوالي 750 ألف نوع كائن حي، ووفق الأرصاد يتزايد عدد الشهب والنيازك وتزداد سرعتها وتبلغ شدة الارتطام أقصاها وقت الصبح، ولذا فإن اختيار وقت الصبح في القرآن الكريم في مقام إبلاغ العقوبة أقصاها يعد معجزة كبيرة؛ ليس فحسب للدلالة على وجود أحجار في السماء، وإنما للمعرفة كذلك بحركة الأرض.

 

وجه الإعجاز:

لقد كان البشر وقت تنـزل القرآن الكريم في جهالة تامة عن موجودات الفضاء، وما يحصل فيه من تناثر الرجوم وتشظي النيازك، وجاءت الكشوف الفلكية والمعارض الفضائية لتوقعنا على حقيقة مفادها أن مع اقتراب وقت الفجر تتضاعف أعداد هذه الشهب والنيازك وعموم الرجوم، فكان سبق القرآن من خلال إيراد قصة قوم لوط – في الإشارة إلى تلك الحشود الفضائية وقت الصبح – ملمح إعجاز علمي.