آلية حدوث البرق


آلية حدوث البرق

في صحيح مسلم: “ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين”.

الدلالة النصية:

يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف عما يجري لدى رؤيتنا للبرق، حيث يصرح في وصفه له بأنه يرجع في زمن يعادل زمن مروره، فيثبت بذلك طورين رئيسيين لومضة البرق، هي: طور المرور وطور الرجوع.

الحقيقة العلمية:

يحدث البرق في أجزاء من الثانية نتيجة مرور الشحنة السالبة من قاعدة السحابة لتشحن كل طريقها بشحنة سالبة، وتولد تلك الشحنة السالبة شحنة كهربية موجبة تخالفها في الأجسام المرتفعة عن الأرض كالأشجار باعتبارها الأقرب، ويرجع البرق بهيئة شحنة موجبة نحو قاعدة السحابة خلال الممر السالب الشحنة، فتحدث شرارة قوية نتيجة لقاء الشحنتين يصدر وميض البرق، وتسخن الهواء المحيط إلى حد الانفجار، فتحدث الدمدمة أو هزيم الرعد عقب مشاهدة الوميض نتيجة سرعة الضوء الأكبر من سرعة الصوت بحيث يمكن تقدير بعد السحاب، وما كان بوسع بشر زمن التنزيل أن يدرك قبل اكتشاف أدوات التصوير السريع أن البرق يمر من السحاب نحو الأرض، ثم يرجع مصدراً الوميض إلا بوحي.   

 يتحرك البَرَدْ دوريا داخل السحابة نحو الأعلى تحت تأثير تيارات الحمل من الهواء الصاعد، ونحو الأسفل بزيادة وزنه نتيجة لاكتساب حباته مزيدًا من طبقات الجليد في المنطقة العليا، حيث تتدنى درجة الحرارة، وتبسيطًا: تكتسب حبات البَرَدْ خلال حركته لأعلى إلكترونات سالبة، ويشحن أعلى السحابة بشحنة موجبة، وخلال حركته نحو الأسفل يشحن أسفل السحابة بشحنة سالبة، وعندما تجتمع الظروف المناسبة وتنضج السحابة تسعى الشحنة الكهربية السالبة في قاعدة السحابة لشحن الجو الرطب دونها بشحنة سالبة، وتتوجه نحو الأرض يقودها ما يسمى الشعاع القائد Leader لضربة البرق، وينتقل في خطوات متدرجة كل منها قد يبلغ عشرات الأمتار، وقد تبلغ سرعة الشعاع القائد 60 ألف متر/ثانية، وعلى بعد عشرات الأمتار من سطح الأرض تقابله الشحنة الموجبة صاعدة نحوه نتيجة التجاذب بين الشحنتين، وتمتد نحو السحابة خلال نفس المسار في الهواء الذي مهده الشعاع القائد بتأيين الهواء بالشحنة السالبة؛ ولذا تسمى بالضربة المرتجعة Return stroke، وهي المسئول الأساس (حوالي 99%) عن تفريغ الشحنة الكهربية، وتوليد الوميض الحاد أو لمح البرق Lightning flash.

ونتيجة للشحنة الكهربية الهائلة التي تشق طريقها في الهواء يسخن فجأة في أجزاء قليلة من الثانية لتبلغ درجة حرارته حوالي 20 ألف إلى 30 ألف درجة مئوية؛ وهي درجة حرارة هائلة تزيد عن حوالي ثلاث إلى خمس مرات قدر حرارة سطح الشمس (حوالي 6 آلاف درجة مئوية)، والتسخين الفجائي للهواء لدرجة الحرارة الهائلة تلك يولد موجة صدمية فوق صوتية Supersonic shock wave تُسمع كأصوات عاتية مرعبة متتابعة بهيئة هزيم أو دمدمة وقعقعة تسمى بالرعد Thunder نتيجة دوي الانفجار الهائل الذي تصاحبه موجة تمدد الهواء فجأة، والموجة الارتدادية، وترددهما مع صدى الصوت المنعكس على معالم سطح الأرض كالجبال والسحب في المنطقة من الجو وما يجاورها، ولأن لمح البرق ينتقل في الجو بسرعة الضوء (حوالي 300 ألف كم/ثانية) بينما تنتقل موجات الرعد بسرعة الصوت (حوالي 343 متر/ثانية عند مستوى سطح البحر) يُمكن تقدير بعد المصدر بمعرفة الفارق زمنيا بين الحدثين، وقد يحدث البرق ولا يسمع الرعد لبعد المصدر، وقد يُسمع الرعد ولا يشاهد البرق لوقوعه داخل غيمة السحب، وليست ضربات البرق خطرًا يمكن تجاهله حيث يحدث البرق حوالي 100 مرة كل ثانية، وفي اللحظة الواحدة تحدث  حوالي 2000 عاصفة رعدية، وفي العام حوالي 6 مليون عاصفة برقية Lightning storms، ويقوم البرق بتفريغ تيار يبلغ أكثر من مائة مليون فولت على الأقل في كل مرة، وقد يصل إلى ألف مليون فولت، فأنت إذاً أمام قوة رهيبة تدخل في صلب العمليات المقدرة لتوزيع المطر على سطح الكوكب، وفي ذات الوقت قد تكون تلك القوة الرهيبة مصدرًا لدمار لا يدفعه احتياط، وفي أقل من نصف ثانية تحدث 3-4 ضربات برق نراها كلها في ومضة برق واحدة، ولا ندرك مرور ورجوع البرق، والحقيقة أن الشعاع الكهربي يرجع فعلاً باتجاه الغيمة، لكن سرعة العملية تبدي لنا البرق، وكأنه يتجه من الغيمة إلى الأرض فحسب.

وجه الإعجاز:

لقد جاء وصف النبي صلى الله عليه وسلم مثبتاً طوري المرور والرجوع، في زمن ما كان البشر يدرون شيئاً من حقيقته وما يتبع ذلك، ولدى تقدم علوم الفلك والفيزياء، وما تبع ذلك من وسائل الرصد والقياس، عرف العلماء على وجه اليقين هذه الحقيقة، وأن ذلك يحصل في زمن قياسي، حيث يتم في أقل من نصف ثانية، وتحدث من 3-4 ضربات برق نراها كلها في ومضة برق واحدة، فتطابق بذلك ما استقر عليه العلماء من هذه المعرفة مع ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أخبر رسول الله بهذه الحقيقة من قبل أربعة عشر قرناً إلا أن يكون وحياً من الله.