آلية تكون المطر


آلية تكون المطر

قال الله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ الحجر: 22.

 

الدلالة النصية:

في الآية الكريمة دلالة على أن نزول المطر يعقب هبوب الرياح ففي النص إشارة إلى الارتباط بينهما.

 

الحقيقة العلمية:

وتعبير (لواقح) عام لم يذكر مفعوله، فيستقيم حمله على الشجر والسحاب؛ إلا أن سياق الآية تدل على تلقيح السحاب، ومما يؤكد ذلك ما ورد بسند قوي عن الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في تفسير هذه الآية (يبعث الله الريح فالقح السحاب … ثم تمطر)، وقال ذلك أيضاً الصحابي ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى عنه، وكما يتم تلقيح النخل فيثمر التمر؛ فكذلك يبشر لفظ (لواقح) بالخير والبركة والنماء واخضرار الزرع، وقد جاء في مختار الصحاح في مادة (لقح): “ألقح الفحل الناقة، والريح السحاب، ورياح لواقح.. أنشأت السحاب”، وذكر هذا أيضاً الطبري والقرطبي في تفسيريهما، ومن الثابت علميا الآن أن التلقيح بالريح ضروري في عملية الإخصاب؛ خاصة للنباتات ذات الأزهار الفاقدة لجذب الحشرات، وقد أصبح من المقرر عند علماء النبات أن التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح Pollen Grains من العناصر الذكرية للزهرة Anthers إلى العناصر الأنثوية فيها Stigmas؛ حيث يتم الإخصاب، والتلقيح inoculation قد يكون بين العناصر الذكرية والأنثوية لزهرة واحدة، أو نبتة واحدة ويسمى عندئذ بالتلقيح الذاتي Self Pollination، وقد يكون بين نبتتين منفصلتين ذكر وأنثى؛ ويسمى حينئذ بالتلقيح المختلط Cross Pollination، وتختلف طرق انتقال حبيبات اللقاح باختلاف نوع النبات، فبالإضافة للتلقيح بواسطة الإنسان كما في تأبير النخل توجد طرق أخرى مثل التلقيح بواسطة المياه أو بواسطة الحيوانات كالحشرات والطيور والتلقيح بواسطة الرياح Anemophily، وتذكر الموسوعة العالمية للرياح دوراً هاماً في عملية نقل اللقاح في النباتات التي تفتقد الأزهار ذات الرائحة والرحيق والألوان الجاذبة للحشرات؛ حيث تقوم الرياح بنشر اللقاح على مسافات واسعة، فعلى سبيل المثال: تنشر الرياح لقاح الصنوبر Pine على مسافة قد تصل إلى 800 كيلومتر قبل أن يلتقي اللقاح بالعناصر الأنثوية ويتم التلقيح، وبالمثل حينما يصعد بخار الماء ويتكاثف تتكون السحب وفق آلية أشبه ما تكون بتلقيح النبات حيث تقوم الرياح بدفع دقائق يسمى كل منها نواة تكاثف Condensation Nucleus، ولذا يصدق وصف الريح بأنها لواقح على النبات؛ ومن باب أولى السحاب، فالمعلوم أن تكوين السحاب يلزمه أن يكون الهواء مشبعاً ببخار الماء وأن يكون محتويا على أنوية التكاثف تلك.

 

وجه الإعجاز:

إن إشارة الآية الكريمة إلى كون الرياح لواقح وتعقيبه لكلمة ﴿فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ﴾ إشارة إلى حقيقة علمية لم تكتشف إلا في الأزمنة المتأخرة، وهي متضمنة في قوله ﴿لَوَاقِحَ﴾، فبينما كان يُظن أن التلقيح قاصر على النبات تبين للعلماء أن الرياح هي لواقح للسحب أيضاً، وبالتالي نزول المطر هو نتيجة لتلك الظاهرة، مما يدل على أن هذا الكلام هو كلام خالق الكون ومرسل الرياح ومنـزل المطر، وأن الذي بلغنا هو رسول رب العالمين.